يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:

ورد في السنة طلب تزيين شعر الرأس واللحية بالمشط والدهن والطيب ، وفي الشمائل النبوية الشريفة أحاديث في فَرْق النبي – صلى الله تعالى وآله وسلم – لشعره وسدله له ، فمن زيّن شعره من المسلمين فليقصد بذلك اتباع السنة السنية ، سواء وافق ما عليه الأوربيين أم خالفهم .

ولا يبالي بأقوال الجاهلين الذين يخوضون في عرض كل مَن يفعل شيئا يوافق ما عليه الإفرنج وإن كان من المحاسن التي سبق الإسلام إلى طلبها وعلم النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح – رضي الله عنهم – بها ، فإننا لا نترك محاسن دين الفطرة إذا أخذ بها غيرنا ، بل نُسَرّ باتباع الناس لآداب ديننا وفضائله ، وإن لم يدينوا به ، وفي ذلك فوائد كثيرة ليس هذا المقام بمحلٍ لشرحها .

وأما من يقصد بتزيين شعره تقليد الإفرنج فهو وضيع ضعيف العقل والنفس ؛ لأنه مقلد لمن يراهم لخسته أشرف منه وأكمل ، وهكذا شأن كل تقليد ؛ فإن من يثق بمعرفته للحق أو الفضيلة أو الأدب الصحيح لا يقلَّد في شيء مِن ذلك غيره تقليدًا ، فالتقليد هو شأن الأطفال مع الكبار ، والاستقلال هو شأن العقلاء المستقلين ، والعاقل إنما يعمل ما يعتقد أنه الأَوْلى بالدليل العقلي في الأمور العقلية ، والدليل الشرعي في الأمور الشرعية وهكذا ، والجاهلون يتمسكون بالعادات ويجعلونها دينًا ينكرون على مخالفهم فيها .

وأما مسألة الزي : فيعلم حكمها مما تقدم ، فمن المعلوم أن الإسلام لم يحرم على أهله زيًّا ، ويفرض عليهم زيًّا آخر ، بل ترك الأزياء لاختيارهم ، وفي السنة السنية ما يدل على ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس الجبة الرومية من أزياء الروم والطيالسة الكسروية من أزياء المجوس ولم يقصد تقليد القوم ، وإنما جيء بذلك فلبسه .

وإنما نهى عمر – رضي الله عنه – جيشه في بلاد الفرس عن زي الأعاجم لئلا يغرهم ما غنموه من اللباس النفيس فيمتعوا بنعمته ويغلب عليهم الترف فيضعفوا عن الجهاد وحفظ البلاد ، ولذلك أمرهم في كتابه ذاك إلى القائد عتبة بن غرقد بأن يخشوشنوا ويتمعددوا ويداوموا على التمرن على رمي السهام ويبرزوا للشمس فقال : ( عليكم بالشمس فإنها حمام العرب ) ، ولهذا اختلفت أزياء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأصبح أمراء المسلمين يلبسون زي الإفرنج في هذا العصر لاستحسانه .