اختلف الفقهاء في ستر البيوت والجدران فمنهم من ذهب للكراهة إذا لم تقتضه الحاجة أو تدعو إليه الضرورة، ومنهم من ذهب إلى حرمته ، والأولى أنه مكروه.

والستائر التي تستر الجدران التي ليس بها “شباك” الغالب في أمرها أن تكون للزينة المبالغ فيها، خالية عن الحاجة وبهذا يكون الإسراف متحقق فيها، والإسراف منهي عنه، ولذلك يدور حكمها بين الكراهة والتحريم لخلوها عن النفع.

وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير، – للإمامِ المناوي:

(نهى أن تستر الجدر) أي جدر البيوت تحريماً إن كان بحرير، وتنزيهاً إن كان بغيره. و في البخاري أن أَبا مَسْعُودٍ َرَأَى صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ، وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ.

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، شارحا لحكم ستر البيوت بالقماش:

وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم، وجزم جمهور الشافعية بالكراهة، وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم، واحتج بحديث عائشة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، وجذب الستر حتى هتكه ” وأخرجه مسلم.

قال البيهقي: هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدار، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة.

وقال غيره: ليس في السياق ما يدل على التحريم، وإنما فيه نفي الأمر لذلك، ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي، لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه.

وجاء النهي عن ستر الجدر صريحا، منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره ” ولا تستروا الجدر بالثياب ” وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب، ثم البيهقي من طريقه، وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا ” أنه أنكر ستر البيت وقال: أمحموم بيتكم، أو تحولت الكعبة عندكم؟ قال: لا أدخله حتى يهتك ” وتقدم قريبا خبر أبي أيوب وابن عمر في ذلك.

وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى، وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: “كيف بكم إذا سترتم بيوتكم؟! ” الحديث وأصله في النسائي.

وجاء في المغني لابن قدامة المقدسي:

فأما ستر الحيطان بستور غير مصورة; فإن كان لحاجة من وقاية حر أو برد، فلا بأس به; لأنه يستعمله في حاجته، فأشبه الستر على الباب، وما يلبسه على بدنه، وإن كان لغير حاجة، فهو مكروه، وعذر في الرجوع عن الدعوة وترك الإجابة; بدليل ما روى سالم بن عبد الله بن عمر، قال: أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس، فكان أبو أيوب فيمن آذن، وقد ستروا بيتي بخباء أخضر، فأقبل أبو أيوب مسرعا، فاطلع، فرأى البيت مستترا بخباء أخضر، فقال: يا عبد الله أتسترون الجدر ؟ فقال أبي، واستحيا: غلبتنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن يغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك، ثم قال: لا أطعم لكم طعاما، ولا أدخل لكم بيتا، ثم خرج. رواه الأثرم.

وروي عن عبد الله بن يزيد الخطمي، أنه دعي إلى طعام، فرأى البيت منجدا، فقعد خارجا وبكى، قيل له: ما يبكيك ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد رقع بردة له بقطعة أدم، فقال: { تطالعت عليكم الدنيا. ثلاثا، ثم قال: أنتم اليوم خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدوا أحدكم في حلة، ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة ؟. قال عبد الله: أفلا أبكي، وقد بقيت حتى رأيتكم تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة؟.}

وقد روى الخلال، بإسناده عن ابن عباس، وعلي بن الحسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه نهى أن تستر الجدر. } وروت عائشة، { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيما رزقنا أن نستر الجدر. }

إذا ثبت هذا، فإن ستر الحيطان مكروه غير محرم وهذا مذهب الشافعي; إذ لم يثبت في تحريمه دليل، وقد فعله ابن عمر، وفعل في زمن الصحابة رضي الله عنهم، وإنما كره لما فيه من السرف، كالزيادة في الملبوس، والمأكول.

وقد قيل: هو محرم; للنهي عنه. والأول أولى; فإنَّ النهي لم يثبت، ولو ثبت الحمل على الكراهة; لما ذكرناه.