يقول الله عز وجل : ” وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232).
وها أنت قد طلبت من زوجك الطلاق ، وأعطيته ما يريد حتى تفتكي نفسك منه، وقد بدأ بعد أن وضعت السورة أوزارها يحدوه الأمل في الوصال بعد الجفاء ، واللقاء بعد الفراق،فرحت تفتشين عن قلبك الموغور، عساك تحيين ما كان قد حل به من إحن وأحقاد فلم تجدي من ذلك شيئا!
فقد تبدلت الحال، وهدأت الأحوال، وذهب الخريف مع عواصفه، وعاد القلب غضا طريا، يقبل العذر، وينسى الإساءة، ويبادر بالمصالحة، ولكن……
ولكن يحول دون ذلك صدى تلك العاصفة التي عصفت بالحياة الزوجية فأبادتها، فخفت أن تعود، ولا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين ، وهنا يأتي قول ربنا : “إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ” فهل حصل شيء من ذلك، هل تراضيتما بالمعروف؟ وحتى لا نذهب في غياهب المعاني، نطرح عليك هذا السؤال :
ما الذي جد في العلاقة بينكما؟ هل تغير زوجك؟ وهل آنست منه حلما بعد طيش، وأناة بعد عجل ، ورفقا بعد شدة، وتغاضيا بعد تقاض، ومسامحة بعد تشاحح،ومغافلة بعد تيقظ، ومداراة بعد تربص؟
لقد كانت ثمة أسباب حملتك على الطلاق ، فهل لا زلت ترينها أم أنها ولت ، إن كانت لا زالت قائمة فما الجديد؟
وإن كانت ولت ، فهذا بعض ما عنى الله بقوله ” “إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ”
وهبي أن زوجك كما هو لم يتغير، فهل حصل تغير منك أنت؟ هل أصبحت تتحملين ما كنت تضيقين به؟ هل أصبحت تقبلين ما كنت ترفضين؟ هل أصبحت تقنعين بما كنت تستقلين؟ هل أصبحت مستعدة للتضحية بما كان عزيزا عليك؟….. إذا كان شيء من ذلك قد حصل ، فهذا بعض ما عنى الله بقوله : ” “إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ”.
وأما إذا كانت الأحوال كما هي ، وكنت أنت أنت ، وهو هو… فإن الأمر لا يعدو أن يكون نسيانا لمرض مستقر بسبب ذهاب أعراضه، وكنت مثل المريض يدع الدواء لما أحس بالعافية تدب في جسمه، ونسي أن المرض بعد لم يذهب فإذا به يعود مريضا كما كان أو أشد.