من صلى منفردا ثم أقيمت الجماعة بعده فله أن يسلم من ركعتين ناويا بهما النافلة ليدرك الجماعة ، فإن خشي فوات الجماعة قبل إتمام ركعتين فله أن يقطع الصلاة لإدراك الجماعة ؛ لأن هذا عذر يصح من أجله قطع الصلاة ، كما أن له أن ينوي الائتمام بالجماعة من غير قطع لصلاته .

قال الإمام النووي في المجموع :-

قال أصحابنا(من الشافعية) : إذا دخل في فرض الوقت منفردا ثم أراد الدخول في جماعة استحب أن يتمها ركعتين ، ويسلم منها فتكون نافلة ; ثم يدخل في الجماعة ، فإذا خشي فوت الجماعة لو تمم ركعتين , فإنه حينئذ يستحب قطعها فلو لم يقطعها , ولم يسلم بل نوى الدخول في الجماعة واستمر في الصلاة – فقد نص الشافعي في مختصر المزني على أنه يكره , واتفق الأصحاب على كراهته كما نص عليه , وفي صحتها قولان : ( أحدهما ) : القطع ببطلانها , حكاه الفوراني – من الشافعية- وغيره عن أبي بكر الفارسي- من الشافعية- , وهو مذهب مالك وأبي حنيفة .

( والثاني ) الصحة , ويستدل للصحة بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم { ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فحضرت الصلاة قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم فقدموا أبا بكر ليصلي , ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة فتقدم فصلى بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة , فصار أبو بكر مقتديا في أثناء صلاته }
ووجه ما ذكرناه أنه يجوز قطع الفرض لعذر , وتحصيل الجماعة عذر مهم ; لأنه إذا جاز قطعه لعذر دنيوي وحظ نفسه فجوازه لمصلحة الصلاة ولسبب تكميلها أولى , ثم تعليله بأنه إبطال فرض تعليل فاسد ; لأن إبطال الفرض حاصل سواء قلنا : ينقلب نفلا أم تبطل . انتهى .

وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني :-

وإن أحرم منفردا , ثم نوى جعل نفسه مأموما , بأن يحضر جماعة , فينوي الدخول معهم في صلاتهم , ففيه روايتان : إحداهما , هو جائز , سواء كان في أول الصلاة , أو قد صلى ركعة فأكثر ; لأنه نقل نفسه إلى الجماعة , فجاز , كما لو نوى الإمامة . والثانية , لا يجوز ; لأنه نقل نفسه إلى جعله مأموما من غير حاجة , فلم يجز كالإمام , وفارق نقله إلى الإمامة ; لأن الحاجة داعية إليه , فعلى هذا يقطع صلاته , ويستأنف الصلاة معهم . قال أحمد , في رجل دخل المسجد فصلى ركعتين , أو ثلاثا , ينوي الظهر , ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة : سلم من هذه , وتصير له تطوعا , ويدخل معهم . قيل له : فإن دخل في الصلاة مع القوم , واحتسب به . قال : لا يجزئه حتى ينوي بها الصلاة مع الإمام في ابتداء الفرض . انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري( معلقا على حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم { ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فحضرت الصلاة قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم فقدموا أبا بكر ليصلي , ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة فتقدم فصلى بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة , فصار أبو بكر مقتديا في أثناء صلاته } ) :-

يؤخذ من هذا الحديث جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين.

وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز، وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما، وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته، كذا استنبطه الطبري من هذه القصة، وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا، وفيه فضل أبي بكر على جميع الصحابة.

واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره، وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم، قالوا: ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والإنكار من الإمام، وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به، وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة ا هـ.

وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد، وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .