‏جاء في تفسير قول الله تعالى(فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) ما نقله القرطبي عن أئمة التفسير ما يلي:
قال النحاس: من أحسن ما قيل فيه أنه يُكتب موضع كافر مؤمن, وموضع عاص مطيع.
وقال مجاهد والضحاك: أن يبدلهم الله من الشرك الإيمان وروي نحوه عن الحسن.
قال الحسن: قوم يقولون التبديل في الآخرة, وليس كذلك, إنما التبديل في الدنيا; يبدلهم الله إيمانًا من الشرك, وإخلاصًا من الشك, وإحصانًا من الفجور.
وقال الزجاج: ليس بجعل مكان السـيئة الحـسنة, ولكن بجعل مكان السيئة التوبة, والحسنة مع التوبة.
وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن السيئات تبدل بحسنات).
وروي معناه عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير وغيرهما.
وقال أبو هريرة: ذلك في الآخـرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته, فيبدل الله السيئات حـسنات.

وفي الخبر: (ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات) فقيل: ومن هم؟ قال: (الذين يبدل الله سيئاتهم حـسنات).
رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم; ذكره الثعلبي والقشيري.
وقيل: التبديل عبارة عن الغفران; أي يغفر الله لهم تلك السيئات لا أن يبدلها حسنات.
قال القرطبي: فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحـت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة; وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن).

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة وآخر أهل النار خروجـًا منها رجـل يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه ،فيقال: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ،فيقول: نعم! لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق في كبار ذنوبه أن تعرض عليه ،فيقال له :فإن لك مكان كل سيئة حسنة .فيقول: يا رب قد عملت أشياء لا أراها هاهنا ) فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.

وقال أبو طويل: يا رسول الله, أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئًا, وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها فهل له من توبة؟ قال: (هل أسلمت)؟ قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنك عبد الله ورسوله.
قال (نعم!تفعل الخيرات ،وتترك السيئات يجعلهن الله كلهن خيرات).
قال: وغدراتي وفجراتي يا نبي الله؟ قال: (نعم).
قال: الله أكبر! فما زال يكررها حتى توارى.
ذكره الثعلبي.
قال مبشر بن عبيد, وكان عالمًا بالنحو والعربية: الحاجـة التي تقطع على الحاج إذا توجهوا.
والداجة التي تقطع عليهم إذا قفلوا.انتهى

والخلاصة: أن تبديل السيئات حسنات قد لايقصد به المعنى المباشر،ولكن يقصد به التوبة والمغفرة،ولايستبعد في كرم الله أن يبدل السيئات حسنات،وما ذلك على الله بعزيز،بل يمكن أن يدخل في باب الطمع في كرم الله الكريم، وكما أنه من المعلوم أن الإسلام يجب ماقبله،وأن الذي يتوب يقبل الله توبته ،ولكن نقول عنه لقد تاب إلى الله توبة صادقة،ولكن الغفران بيد الله ،ونحن نطمع فيه،ولكن لا نجزم أن الله قد غفر ،مع إحسان الظن بالله تعالى لقوله تعالى (إن الله يغفر الذنوب جميعًا).