لا حرج في تأخير الجنازة حتى يتم تشريح الميت مثلا لأن الشارع إذا كان قد أمر بالإسراع بتجهيز الميت ودفنه إلا أنه متى وجدت مصلحة راجحة تتعارض مع الإسراع بالجنازة فلا حرج في ذلك ، ولا شك أن تبرئة متهم أو معرفة سبب الوفاة للوصول إلى نتيجة معينة هي مصلحة تقدم على الإسراع بالدفن.

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

من المعلوم أن الإسراع في دفن الميت أمر مطلوب شرعاً وقد نصت السنة النبوية على ذلك فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ) رواه البخاري ومسلم .

والإسراع بالجنازة يشمل السرعة حال حملها والإسراع بها إلى الدفن قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال القرطبي: مقصود الحديث: أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن ] فتح الباري 3/235 .

ويؤيد المسارعة في الدفن ما رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ) قال الحافظ ابن حجر : إسناده حسن . المصدر السابق .

ويؤيده أيضاً ما رواه أبو داود بإسناده أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال :( إني لا أرَى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ).

ويؤيده أيضاً ما رواه الترمذي وأحمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(ثلاث يا علي لا يؤخرن الصلاة إذا آنت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤاً ).

وبهذا يظهر لنا أن الإسراع في دفن الميت هو الأمر الذي لا ينبغي العدول عنه ولكن إذا تعارض الإسراع بدفن الميت مع كون التشريح قد يثبت براءة متهم أو إدانته فينبغي تقديم التشريح ؛ لأنه مصلحة راجحة فإن من قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفادياً لأشدهما .

وفي حال تعارض الإسراع في الدفن مع التشريح لمعرفة سبب الوفاة وفيه تأخير الدفن وبما أن معرفة سبب الوفاة بالتشريح قد يكون فيها منفعة كبيرة حيث يعرف سبب الوفاة الذي يتوصل به إلى إبراء البريء أو إدانة المجرم ، وهذا فيه صيانة للحكم عن الخطأ وصيانة لحق الميت الآيل إلى وارثه وصيانة لحق الجماعة من الاعتداء وتحقيق هذه المصالح غالب على الإسراع بدفنه.

وخلاصة الأمر أنه إذا تعارض الإسراع بدفن الميت مع تشريح جثته لمعرفة سبب الوفاة فيقدم التشريح مع مراعاة الضوابط الشرعية للتشريح.