الراجح فقهًا ودليلاً: جواز بيع أرض مكة وإجارتها وسائر أنواع التصرفات.

يقول الدكتور عطية فياض أستاذ الفقه بكلية الشريعة جامعة الأزهر:

اختلف العلماء في بيع أرض الحرم وإجارتها ورهنها على مذهبين:

الأول : جوازه، وبه قال عمر بن الخطاب وجماعات من الصحابة ومن بعدهم ومذهب الشافعية وأبي يوسف من الحنفية ورواية عند الحنابلة. وناصَرَ ابن قدامة الحنبلي هذا الرأي.

الثاني : لا يجوز شيء من ذلك، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة ورواية عند الحنابلة، والخلاف في المسألة مبني على أن مكة فتحت صلحا أم عنوة؟ فالمذهب الأول على أنها فتحت صلحا، فتبقى على ملك أصحابها فتورث وتباع وتكرى وترهن. والمذهب الثاني على أنها فتحت عنوة، فتكون وقفا ولا يجوز فيها شيء من هذه التصرفات.

واستدل أصحاب المذهب الأول بما يلي:

 (1) قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ) فأضاف الله الدار للمهاجرين، والإضافة تقتضي التمليك.

(2) ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: أين تنزل من دارك في مكة؟ فقال: هل ترك لنا عقيل من دار؟

وكان عقيل وطالب ورثا أبا طالب وكانا على الشرك، ولم يرثه جعفر ولا علي، لأنهما كانا مسلمين، فدل هذا الحديث على أن دور مكة تورث ويجوز التصرف فيها.

 (3) ما رواه مسلم عن أبي هريرة في قصة فتح مكة قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.

فدل هذا الحديث على صحة تملك أبي سفيان لداره، ومن ثم يجوز التصرف فيها.

(4) جاء في سنن البيهقي وغيره أن نافع بن عبد الحارث اشترى من صفوان بن أمية دار السجن لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأربعمائة، وفى رواية بأربعة آلاف.

 (5) مارواه الزبير بن بكار وغيره أن حكيم بن حزام باع دار الندوة بمكة من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف فقال له عبد الله بن الزبير: يا أبا خالد، بعت مأثرة قريش وكريمتها؟ فقال: هيهات، ذهبت المكارم فلا مكرمة اليوم إلا الإسلام، فقال: اشهدوا أنها في سبيل الله تعالى يعني الدراهم.

(6)القياس :أنها أرض ليست موقوفة فجاز بيعها كغيرها.

أما أدلة من ذهب إلى عدم الجواز فما يلي:

(1)  قوله تعالى (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ )
قالوا: إن المراد بالمسجد جميع الحرم.

 (2) وقوله تعالى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا )
قالوا: والمحرم لا يجوز بيعه.

ورد على هذا الاستدلال:

بأن المراد بالمسجد الحرام هو المسجد فقط لا أرض الحرم كلها، ولو كان الأمر كذلك لما جاز لأحد أن ينشد ضالة في دور مكة ولا ينحر فيها البدن ولا يلقى فيها الأرواث ولا يبيع فيها ولا يشتري.

كما أن المراد بالحرمة: تحريم الصيد والشجر والقتال فيها وليس النهي عن بيعها.

 (3) واستدلوا بما رواه البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم– “مكة مباح لا تباع رباعها ولا تؤجر بيوتها

ورد على حديث البيهقي بأن في إسناده إسماعيل بن إبراهيم، وهو ضعيف باتفاق المحدثين. أما حديث عائشة فمحمول على الموات من الحرم وهو ظاهر الحديث.

(4) قالوا: إنها بقعة من الحرم، فلا يجوز بيعها وإجارتها كنفس المسجد الحرام. ولكن هذا القياس مردود، لأن المساجد لا تلحق بها سائر المنازل المسكونة.انتهى

ويقول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي في هذا الموضوع:  

هناك من قال إن دور مكة لا تؤجَّر ولكن كثيرا من الفقهاء أجازوا استئجار البيوت في مكة وهذا جرى عليه العمل من قديم، من قرون والناس يؤجرون البيوت في مكة والآن أصبح هناك بيوت وهناك شقق وهناك أجنحة وهناك فنادق وكل هذا أصبح مُجازاً من علماء الأمة بغير نكير، فقد أصبح هذا إجماع من الأمة على جواز ذلك، إنما المهم ألا يستغل الناس فترة الحج ويبالغوا مبالغات لا معنى لها في أسعار الشقق والبيوت هذا هو الذي لا يجوز.انتهى