دلت النصوص الصريحة الثابتة على تحريم الخمر، والحرمة ليست قاصرة على شربها فحسب ، ولكن تحريم الخمر في القرآن والسنة تحريم مطلق لا تقييد فيه ، فكما يحرم شربها يحرم بيعها وصناعتها ويحرم الإعانة عليها بأي صورة من الصورة، وإن الجرم في بيع الخمر لغير المسلمين كالجرم في بيعها للمسلمين، بل قد يكون أشنع باعتباره يمثل صدا للناس عن سبيل الله عندما يرون من المسلمين جرأة على دينهم، واستباحة ظاهرة لمحرماته وهجرا منكرا لشرائعه وأحكامه.

يقول فضيلة الدكتور صلاح الصاوي –الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا-:

لقد تقرر في الشريعة المطهرة أن الخمر أم الخبائث، وأن مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن، ولم تكتف الشريعة المطهرة في أمر الخمر بالنص على التحريم ، بل أمرت بمطلق اجتنابها وهو أمر يتجاوز مجرد تعاطيها ليشمل كل صور التعامل بها أو الاقتراب منها بأي وجه من الوجوه ، فقال تعالى  آمرا باجتنابها ، ومشيرا إلى طرف من الحكمة في هذا التشريع:

يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهـون  المائدة: 90، 91

وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم  أن شرب الخمر لا يجتمع مع الإيمان فقال صلي الله عليه وسلم   :

(لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) متفق عليه.

وقال عثمان رضي الله عنه :  اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جارية أن تدعوه لشهادة، فلما دخل معها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضي إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر! فسقته كأسا فقال : زيدوني! فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه.

وبينت السنة المطهرة ضابط التحريم في هذا المجال، فقـال   فيما يرويه عنـه ابن  عمـــر:

(كل مسكر خمر، وكل خـمر حرام » [رواه مسلم ]، وعن عائشة قالت: سئل رسول الله عن البتع، فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام )  متفق عليه.

وعن أبي الجويرية قال: سألت ابن  عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد الباذق، فما أسكر فهو حرام ، رواه البخاري .  فالباذق لم يكن في عهد رسول الله   ولكن قاعدة تحريم المسكرات تشمله، ولا عبرة باختلاف الأسماء، وأكد على هذا الضابط، وبين سوء المآل الذي ينتظر من يشرب المسكر فيما رواه جابر أن رجلا قدم من جيشان – وجيشان من اليمن – فسأل النبي صلي الله عليه وسلم  عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-أو مسكر هو؟   قال: نعم، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم  :  (كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال: « عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار ) رواه مسلم.

وفيما رواه ابن  عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم  :

(كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربهـا في الآخرة)  رواه مسلم.

ونهي عن صناعتها للتداوي وأخبر أنها داء وليست بدواء، فقد روي مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها  فقال: إنما أصنعها للدواء؟! فقال:  (إنه ليس بدواء ولكـنه داء ).

وكما نهت الشريعة المطهرة عن شربها فإنها نهت عن بيعها، وبينت أن الذي حرم شربها حرم بيعها، فقد روي مسلم عن ابن  عباس (أن رجلا أهدي لرسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  راوية خمر، فقال له رسول الله  صلي الله عليه وسلم: (هل علمت أن الله قد حرمها ؟   قال: لا، فسار إنسانا، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم  :  بم ساررته ؟   فقال : أمرته ببيعها، فقال:  إن الذي حرم شربها حرم بيعها قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها (  رواه مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها: لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها خرج النبي صلي الله عليه وسلم  فقال: (حرمت التجارة في الخمر)  رواه البخاري

وروى البخاري عن ابن  عباس قال: بلغ عمر رضي الله عنه أن فلانا باع خمرا، فقال: قاتل الله فلانا ! ألم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: (قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها)  متفق عليه.  ومعني جملوها أي أذابوها.

هذا وقد لعن الله في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشترى لها، والمشتري له ، فكل من اقترب من الخمر بوجه من الوجوه فهو داخل في هذه اللعنة، ولو كان بمجرد الجلوس على موائدها بغير شرب، فإن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر.

وعلى هذا فإن من تلبيسات الشيطان على بعض من استذلهم ما يزينه لهم من الترخص في بيع الخمر لغير المسلمين وادعاء مشروعية ذلك، أو الاعتذار عنه بعدم تناولها في خاصة أنفسهم، وأنهم من المحافظين الذين يقيمون الصلاة! تماما كما تأول أحد الناس في زمن عمر شربه للخمر بأنه لا جناح عليه في ذلك مادام من المتقين الذين يعملون الصالحات! ذهابا منه إلى فهم مغلوط في قوله تعالى:

ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين  المائدة : 93

فبين له عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطأه في ذلك، وقال له : لو اتقيت الله ما شربت الخمر.

إن تحريم الخمر في القرآن والسنة تحريم مطلق لا تقييد فيه، وإن الجرم في بيعها لغير المسلمين كالجرم في بيعها للمسلمين، بل قد يكون أشنع باعتباره يمثل صدا للناس عن سبيل الله عندما يرون من المسلمين جرأة على دينهم، واستباحة ظاهرة لمحرماته وهجرا منكرا لشرائعه وأحكامه.