إنشاء مثل هذه البنوك له شقان : نفسي يتعلق بالأمومة والبنوة ، وجانب فقهي يتعلق بالأمر من حيث الحل والحرمة ، فالجانب النفسي مفتقد في هذه الطريقة ، أما من حيث التحريم فإن التيقن في هذه الحالة غير موجود ،وعدد الرضعات فيه غير محددة أو ثابتة ، وعلى هذا فمن رضع من هذه البنوك فإن هذا الرضاع لا يتعلق به تحريم .

يقول الشيخ أحمد الشرباصي ـ رحمه الله ـ من علماء الأزهر :
الرضاع المُحرّم في الإسلام هو أن يجتمع ذكر وأنثى على الرضاع من ثدي واحد، فإذا حدث هذا الرضاع المشترك صار هذا الذكر أخًا لهذه الأنثى.

وقد اختلف الفقهاء في عدد الرضعات المحرم للزواج بين الشخصين المشتركين في الرضاع من ثدي واحد.
والمُفْتَى به الآن هو أن الرضاع المُحرّم هو ما كان خمس رضعات مشبعات متفرقات مُتيقَّنات في زمن الرضاع، وهو سنتان، سواء تأخَّر أحدهما في الرضاع، أم تقدَّم، أم رضعا في وقت واحد، ما دام ذلك في سِنِّ الرضاع، بالنسبة إلى كل منهما.

وينبغي أن نفهم أن ثبوت الرضعات المحرمة يجب أن يكون بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، ولا يكفي في ثبوته شهادة واحد ولو كان رجلاً، ويتوقف الثبوت على شهادة الرجلين ـ أو الرجل مع امرأتين ـ بشرط أن يكون الشاهد عَدْلاً ثِقَةً، عرف ما يشهد عليه عن معاينة لا عن سماع، ولا يثبت التحريم مع الشَّكِّ.

وقد لجأتْ بعض الدول إلى إنشاء ما يسمونه ” بَنك لبن الأمهات “، ويقولون: إن الحاجة هي التي ألجأتهم إلى هذا العمل، حيث يجمعونه مقادير مختلفة من اللبن من الأمهات والنساء من مختلف الأجناس والأوطان والأدْيَان، ويَخْلِطُون هذه المقادير ويملأون منها زجاجات يعطونها لأطفال لا يجدون مَنْ يُرْضعهم من الأمهات.

والأخذ بهذا النظام في المجتمعات المعاصرة له عواقبه الخطيرة وآثاره العديدة على فصل الروابط بين الأمهات وأولادهن، ومن هنا تَتَحَطَّمُ عاطفة الأمومة التي تنشأ عن طريق الفِطْرة والرضاع المباشر من ثدي الأُمّ لِفَمِ الطفل ، وأحسن طرق الرضاع هو أن ترضع الأم ولدها بنفسها من صدرها.

فإذا تركنا الآن هذا الموضوع الذي تستحق دراسته كل عناية، وانتقلنا إلى الحديث عن تحريم الرضاع الذي يتم بطريق بنك لبن الأمهات، فهمنا أن هذا الرضاع لا يُحرِّم الزواج؛ لأن التَّيَقُّنَ من مصدر اللبن الموزع بطريق البنك غير موجود إطلاقًا، فلا ندري أية امرأة شرب الطفل لبنها، فلعل الجزء الذي شربه خليط من لبن أمهات عديدات. مع أن الرضاع المحرم لا بد فيه من الشهادة المقبولة كما أوضحنا، فأين مَنْ يَشْهد ؟ وعلى مَنْ يشهد ؟ ولهذا نرى أنه ـ على الرغم من عدم الرضا عن هذه الطريقة ـ لا يكون هناك تحريم بهذا الرضاع غير المُحدَّد وغير الثابت.