إذا كانت الثمار قد ظهرت علامات نضجها وصلاحها فالبيع صحيح لا شيء فيه، ومعنى ظهور صلاحها أن تبتديء بعض الثمار في أخذ لونها وطعمها وحلاوتها دون أن تحصل على النضج الكامل فالبيع حينئذ يكون صحيحا حتى لو شرط إبقاؤها على الشجر حتى إتمام النضج.

أما إذا كانت الثمار لم يظهر صلاحها بعد فلا مانع أيضا من بيعها بشرط أن يقطعها البائع من أشجارها، ويأخذها على حالتها هذه دون انتظار لصلاحها. وأما إذا اشتراها بشرط إبقائها حتى تبدو الثمار فلا يجوز حتى لو رضي البائع.

واتفاق البائع مع المشترى على أن يؤجر الحديقة وما فيها من أشجار البرتقال مثلا لمدة سنتين أوأكثر، يستفيد المشترى بالثمار خلال هذه الفترة ثم يقوم المشترى بالاهتمام بري الحديقة وتسميدها والعناية بها نظير مبلغ متفق عليه هو أعلى من ثمن تأجيرها بدون أشجار البرتقال.

هذا التأجير بهذه الصورة غير جائز؛ لأن الإجارة بيع للمنافع لا للأعيان، وتأجير الأرض بقصد الانتفاع بثمارها الموجودة عليها فعلا هو تمليك للأعيان لا للمنافع.

والحل هو: بيع السلم، وصورته : أن يتفق البائع مع صاحب الأرض أن يشتري منه مقدارا معينا من الثمار – خمسين كيلة مثلا- ، ويتفق على الثمن، ويدفع المشتري الثمن حالا، ويحدد الطرفان موعد التسليم، ويلزم البائع بتسليم الكمية عند التاريخ المتفق عليه، وهذا يجوز سنة واحدة، فإذا تم التسليم فيمكنهما عقد صفقة أخرى… وهكذا.

وبهذا الحل يتمكن البائع من الحصول على المال حالا، ويضمن المشتري أنه سيحصل على كمية معينة من الثمار في تاريخ معين.

قال ابن قدامة في المغني :-
لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام :-
أحدها:
أن يشتريها بشرط التبقية ، فلا يصح البيع إجماعا ; { لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها . نهى البائع والمبتاع . } متفق عليه . النهي يقتضي فساد المنهي عنه . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث .

القسم الثاني: أن يبيعها بشرط القطع في الحال، فيصح بالإجماع ; لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة ، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها ; بدليل ما روى أنس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو . قال : أرأيت إذا منع الله الثمرة ، بم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ } . رواه البخاري . وهذا مأمون فيما يقطع ، فصح بيعه كما لو بدا صلاحه .

القسم الثالث: أن يبيعها مطلقا ، ولم يشترط قطعا ولا تبقية ، فالبيع باطل . وبه قال مالك ، والشافعي . وأجازه أبو حنيفة ; لأن إطلاق العقد يقتضي القطع ، فهو كما لو اشترطه .انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عن معنى بدو الصلاح:-

معنى بدو الصلاح مختلف فيه بين الجمهور والحنفية ، فبدو الصلاح عند الجمهور هو ظهور مبادئ النضج والحلاوة بأن يتموه ويلين فيما لا يتلون ، وأن يأخذ في الحمرة ، أو السواد ، أو الصفرة فيما يتلون . وهو عند الحنفية أن تؤمن العاهة والفساد . انتهى.

وجاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:-

إذا بدا الصلاح في شجرة كان صلاحا لذلك النوع في تلك الحديقة عند جماهير العلماء وفي سائر البساتين نزاع، وذلك أنه يدخل في الفرد والعقود تبعا ما لا يدخل استقلالا، كما يدخل أساس الحيطان ودواخلها وعمل الحيوانات وما يدخل من الزيادة بعد بدو الصلاح، وكما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : { من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع } . وإذا اشترط المبتاع- أي المشتري- الثمر المؤبر جاز بالنص والإجماع وهو ثمر لم يبد صلاحه جاز بيعه تبعا لغيره وغير ذلك . ويجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها.