بداية وقت الأضحية:

وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة، لمن صلى العيد، وقدر ذلك الوقت لمن لم يصل العيد، ولا يشترط ذبح الإمام قبل الناس، وينتهي وقت الأضحية عند غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق وهو رابع أيام العيد كما هو معروف بين الناس .

يقول الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الشريعة بفلسطين :
يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة ، وبعد دخول وقت صلاة الضحى ، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين ، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي .

وهذا قول الشافعية والحنابلة ، وبه قال ابن المـنـذر وداود الظـاهري والطبري ، ويرى الحنابلة أيضاً أن يكون الذبح بعد صلاة الإمام وخطبته خروجاً من الخلاف . المغني 9/452 ، المجموع 8/387 .
ويدل على ذلك ما يلي :

1 – حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ، نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء ) رواه البخاري ومسلم .

2  – وفي رواية أخرى عن البراء قال : خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في يوم نحر فقال :( لا يضحين أحدٌ حتى يصلي . قال رجل : عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم . قال : فضح بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) رواه مسلم .

3 – وفي رواية ثالثة قال البراء رضي الله عنه :( ذبح أبو بردة قبل الصلاة . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – أبدلها … الخ ) رواه البخاري ومسلم .

4 – وفي رواية رابعة عن البراء رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :( لا يذبحن أحد حتى يصلي ) رواه مسلم .

5-  وفي رواية خامسة عن البراء رضي الله عنه قال :( صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم فقال : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف ) رواه البخاري .

قالوا : إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة . قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الرواية الخامسة من حديث البراء رضي الله عنه :” تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة ، وإنما شرطوا فراغ الخطيب ، لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزئ بعد طلوع الشمس ، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلَّى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا ، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي …

قال القرطبي : ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة ، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها ” فتح الباري 12/117-118 .

وظاهر الأحاديث السابقة اعتبار نفس الصلاة فيبدأ وقت الأضحية بعد الصلاة في حق من يصلي العيد ، وأما من لا يصلي العيد كأهل البوادي , فأول وقتها في حقهم مضي قدر الصلاة والخطبتين بعد الصلاة ، لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها . انظر المغني 9/ 452 .

وبناءً على ما تقدم فإن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة، إن صليت صلاة العيد كما كان يصليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين ، سواء صلَّى مريدُ الأضحية العيد أم لم يصل ، وسواء كان من أهل البوادي أو الحضر ، وسواء ذبح الإمام أو لم يذبح ، وفي زماننا هذا حيث إنه لا إمام للمسلمين ، فلا يرتبط أمر الأضحية بفعل الحكام الموجودين .

وليس هناك تفريق بين أهل البوادي والحضر ، لعموم الأحاديث الواردة كحديث أنس رضي الله عنه أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال :( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) رواه البخاري .

آخر وقت الأضحية:

وأما آخر وقت ذبح الأضحية فهو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ، أي أن أيام النحر أربعة ؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده ،وهذا أرجح أقوال العلماء في المسألة وهو قول الشافعية ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ، وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني .انظر المغني 9/453 ، المجموع 8/390 ، زاد المعاد 2/318 ، نيل الأوطار 5/142 .

قال الإمام الشافعي :” فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له ” الأم2/222 ..

ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :( كل فجاج مكة منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدارقطني وغيرهم .

وقال البيهقي : وهو مرسل . وذكر له طرقاً متصلة ، ولكنها ضعيفة كما قال إلا أنه قال أيضاً إن حديث جبير أولى أن يقال به . سنن البيهقي 9/295-298 .

وقال الشيخ الألباني : صحيح كما في صحيح الجامع الصغير 2/834.
وقال الشيخ أحمد الغماري:” فحديث جبير بن مطعم، رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح، والبيهقي عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
( كل عرفات موقف ، وكل مزدلفة موقف ، وارفعوا عن محسر ، وكل فجاج منى منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه، وهو حديث حسن ، وإن كان سند أحمد وقع فيه انقطاع .

أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى ، فمحمول على أنه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم ، وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضاً ، ومن محمد بن المنكدر عن جبير ، فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدد من حدثه به ، وهو ثقة فالحديث حسن أو صحيح كما قال ابن حبان ] الهداية في تخريج أحاديث البداية 403-404 .

واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال : الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر .

وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا : يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق .

وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال : الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده . سنن البيهقي 9/296-297 .

ومما يؤيد هذا القول أن تفسير الأيام المعلومات في قولـه تعالى :
( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) سورة الحج الآية 28 . بأنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده مروي عن ابن عباس وابن عمر وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه . تفسير ابن كثير 3/ 216-217 ، أضواء البيان 5/344 .

وكذلك فإن هذا القول منقول عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم .

ومنقول عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء وبه قال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وكان أحد أئمة أهل الشام في العلم .