الوقت هو الظرف الزمني الذي يُؤدي فيه الإنسان نشاطه الذي يفيد منه في حياته الدنيوية والأخروية، فضياع أي جزء منه خَسارة كبيرة، ويندم يوم القيامة على التفريط فيه، كما قال تعالى في أهل النار: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) (سورة فاطر:37).
والزمن وهو أثر من آثار دورات الفلك لا يقع تحت إرادة الإنسان، وهو إذا مضى لا يعود، كما يقول الحسن البصري: ما من يوم ينبثق فَجْره إلا نَادَى مُنادٍ من قِبَل الحق: يا ابن آدم أنا خَلْق جديد، وعلى عملك شهيد: فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة.

والعمر وهو رأس مال العبد الذي ينفق منه، ومهما كثُر فهو قليل، ومهما طال فهو قصير، والآمال تخترمها الآجال، ومن هنا حثَّ الإسلام على المُبادرة بالعمل الصالح، وعدم ضياع أية لحظة من لحظات العمر في غير ما يفيد، ومن مظاهر هذا ما جاء في حديث البخاري “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ” وما جاء في حديث حسن صحيح رواه الترمذي والبيهقي “لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيما أبْلاه، وعن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه” وما جاء في حديث ابن أبي الدنيا بإسناد حسن “اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هِرَمِك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلِك، وحياتك قبل موتك”.

وما جاء في خُطبة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : إنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيِّب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله – ولا تستطيعون ذلك إلا بالله – فسابقوا في مهل بأعمالكم، قبل أن تنقضي آجالكم، فتردكم إلى سوء أعمالكم، فالوحا الوحا، النجاء النجاء، فإن وراءكم طالبًا حثيثًا أمره، سريعًا سيْره، وما قاله بعض البلغاء: من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثَّله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه، وما قاله الإمام الشافعي، وهو النموذج الصالح لطلب العلم:
سهري لتنقيح العلوم ألـَذُّ لـــي من وصل غانية وطيب عنـــاق
وتمايُلي طربًــا لحل عُويصـة أشهى وأعظم من مُدامة ســـاق
وألــذُّ من نقر الفتـاة لدفهــا نقري لألقى الرمل عن أوراقــي
وصـرير أقلامـي على صفحاتها أبهى من الدوكاء والعشـــاق
أأبيتُ سهران الــدُّجى وتبيتَـه نومــًا وتبغي بعد ذاك لحاقـي؟
وما قاله عمر بن الخطاب وهو نموذج صالح لكل العاملين والمسئولين، حين جاء معاوية بن خديج يبشره بفتح الإسكندرية، فوصل المدينة وقت القيلولة، فظن أنه نائم يستريح، ثم عَلِمَ أنه لا ينام في ذلك الوقت، فقال له عمر: لئن نمت النهار لأضيعنَّ حق الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعنَّ حق الله، فكيف بالنوم بين هذين الحقين يا معاوية؟
بعد هذه السطور القليلة في بيان قيمة الوقت وخطورة التفريط في استغلاله في الخير نعلم أن الإفراط في اللهو بكل الوسائل الحديثة غير مشروع، وهو حرام إن ضيَّع واجبًا لله أو للأسرة أو للنفس أو للمجتمع، وحرام إن كان على قمار ومُراهنة، وحرام إن ترتب عليه ضرر ديني أو صحي أو اقتصادي، والنصوص في ذلك كثيرة.