جاء ذكر الوعد والعهد كثيرًا في القرآن والسنة.

قال تعالى: (وَعَد اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (سورة النور: 55).
وقال: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) (سورة إبراهيم : 22) وقال: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (سورة البقرة: 40) وقال :(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) (سورة الإسراء: 34).
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ “آيةُ المُنافق ثلاث إذا حَدَّثَ كَذََبَ، وإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ” رواه البخاري ومسلم.
وقال : “أربع من كنَّ فيه كَانَ مُنافقًا خَالصًا ومن كانت فيه خَصْلَة مِنْهُنَّ كانَتْ فِيه خَصْلَة من النِّفاق حتى يَدعَهَا، إذا اؤتمن خَانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذا خَاصَمَ فَجَرَ” رواه البخاري ومسلم.

الوعد التزام بتحقيق شيء للغير سواء كان ذلك ابتداء من الشخص دون طلب من الغير أو كان بطلب منه، والعهد له معانٍ مُتعددة في اللغة، ومنه الوعد المُوثق بالإيمان أو بغيرها، وقد يكون بمعنى الأمر والإلزام للغير كما قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَلَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبْينٌ) (سورة يس : 60).

قال العلماء الوفاء بالعهد واجبٌ، لخطورة الغَدر به، أمَّا الوفاء بالوعْد فقيل بوجوبه وقيل بنَدبه، وقيل بندبه إن كان من طرف واحدٍ، أي ابتداء من الشخص نفسه. وبوجوبه إن طلب من الغيْر.
قال ابن حجر في “فتح الباري ج 5 ص 342″ قال المُهلَّب: إنجاز الوعد مأمور به، مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض، وعن بعض المالكية إن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به، وإلا فلا، فمن قال لآخر: تزوج ولك كذا، فتزوج لذلك وجب الوفاء به، وخَرَّج بعضهم الخلاف على أن الهِبة هل تُمْلَك بالقبض أو قبله. وقرأت بخط أبي ـ رحمه الله ـ في إشكالات على “الأذكار النووي” ولم يذكر جوابًا عن الآية، يعني قوله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (سورة الصف : 3) وحديث “آية المنافق…”
قال: والدلالة للوجوب منها قوية، فكيف حَمَلوه على كَرَاهَةِ التنزيه مع الوعيد الشديد؟
وينظر: هل يُمكن أن يُقال : يَحْرُمُ الإخلاف ولا يجب الوفاءُ؟ أي : يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك. انتهى ما نقلته عن فتح الباري.
والغزالي في الإحياء “ج 3 ص 115” بعد أن ذكر نصوصًا في فضلِ الوفاء بالوعدِ قال: كَانَ ابن مسعود لا يعد وَعْدًا إلا ويقول: إن شاء الله، وهو الأوْلى، وإذا فُهِمَ الجزم في الوعد فلابد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعْد عازمًا على ألا يفي فهذا هو النفاق.

وبعد ذكر خِصال المُنافق الواردة في الحديث قال: هذا ينزل على من وَعَد وهو على عَزْم الخلف، أو ترك الوفاء من غير عُذْر، أما من عَزَمَ على الوفاء فعنَّ له عُذْر مَنَعَه من الوفاء لم يكن مُنافقًا وإن جرى عليه ما هو صورة النِّفاق، ولكن ينبغي أن يحْترز من صورة النفاق أيضًا، كما يحترز من حقيقته، ولا ينبغي أن يجعل نفسه مَعْذورًا من غير ضرورة حاجزة، وذكر حديثًا يقول “ليس الخُلْف أن يعد الرجل الرجلَ وفي نيته أن يفي” وفي لفظ آخر “إذا وَعَدَ الرَّجل أَخَاه وفي نيته أن يفي فلم يجد فلا إثمَ عليه” رواه أبو داود والترمذي وضعَّفه من حديث زيد بن أرقم باللفظ الثاني. انتهى.

من هذا نرى أنَّ الوفاء بالعهد واجب. وأن الوفاء بالوعد واجب أو مندوب ما لم يكن في نيته عدم الوفاء، فإن كان في نيته عدم الوفاء كان خُلْفًا لِلْوَعْد ومن علامات النفاق.