الوضوء من الماء الذي شربت منه الهرة لا شيء فيه، والعلماء على إباحة الوضوء من هذا الماء. وإلى طهارة سؤر الهرة بلا كراهة، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف من الحنفية . وإن كان هناك من يرى كراهة الوضوء من فضل سؤر الهرة، والراجح الأول.
قال الجصاص في أحكام القرآن:
وأباح الوضوء بسؤر الهرة والحائض، وإن خالطهما شيء من لعابهما.
وقال النووي في المجموع:
قال الشافعي : الهرة ليست بنجس،فنتوضأ بفضلها .
وقال ابن قدامة في المغني:
السنور وما دونها في الخلقة ؛ كالفأرة، وابن عرس، فهذا ونحوه من حشرات الأرض سؤره طاهر، يجوز شربه والوضوء به . ولا يكره . وهذا قول أكثر أهل العلم ؛ من الصحابة، والتابعين، من أهل المدينة، والشام، وأهل الكوفة أصحاب الرأي، إلا أبا حنيفة، فإنه كره الوضوء بسؤر الهر، فإن فعل أجزأه . وقد روي عن ابن عمر أنه كرهه، وكذلك يحيى الأنصاري، وابن أبي ليلى . وقال أبو هريرة، يغسل مرة أو مرتين . وبه قال ابن المنذر . وقال الحسن، وابن سيرين : يغسل مرة . وقال طاوس: يغسل سبعا، كالكلب . وقد روى أبو داود، بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وقال: { إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة }.
ولنا ما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، قالت : فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقلت : نعم . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال : إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات } . أخرجه أبو داود والنسائي، والترمذي، وقال : هذا حديث حسن صحيح . وهذا أحسن شيء في الباب . وقد دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا . وروى ابن ماجه، عن عائشة، قالت : { كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء، قد أصابت منه الهرة قبل ذلك } . وعن عائشة، أنها قالت { : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم . وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها . } رواه أبو داود .أهـ
وقال المرداوي في الإنصاف:
سؤر الهر وما دونها في الخلقة طاهر ، وهو بقية طعام الحيوان وشرابه، يعني أنها وما دونها طاهر . وهذا المذهب مطلقا بلا ريب . وعليه جماهير الأصحاب , وقطع به كثير منهم .