الميراث ينبني على نظام قوامه العدل فهو تشريع إلهي لم تعرف البشرية له مثيلا، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في هذا النظام بزيادة أو نقصان إلا ما كان عن رضا وطيب نفس، وإذا كان من حق الوارث أن يوصي حال حياته في حدود الثلث فإن هذا الحق مقيد بعدم قصد الإضرار بورثته وإن فعل ذلك فلغيره الغنم ويبوء هو بالإثم.

يقول فضيلة الدكتور عبد العزيز عزام-أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-:
بَيَّنّ الله ـ تعالى ـ أحكام الميراث في كتابه الكريم، فقال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..) فجعل سبحانه وتعالى الميراث هو وصيته التي أمر بتنفيذها، وحذر أشد التحذير من مخالفتها؛ لأن المواريث حدود الله، فقال ـ تعالى ـ بعد أن بينها: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين). وقال عليه الصلاة والسلام: “ألحقوا الفرائض بأهلها”.

فنظام التوريث في الإسلام لا يدانيه في عدالته نظام، لا في الأمم السابقة قبل الإسلام، ولا في الأمم المتحضرة اليوم، فهو يقوم على العدل، وعدم الحيف، ورفع الظلم والاستبداد بالثروة، وهذا من شأنه أن يقوي دعائم الأمن والاستقرار في المجتمع، وأن يقطع مادة النزاع بين أفراد الأسرة.

وإن ما يبدو من زيادة بعض الوارثين على بعض في الأنصباء والسهام لا ينافي العدالة، ولا يجافيها؛ لأن الزيادة للحاجة وتكاليف الحياة، فكلما كانت الحاجة أشد كان النصيب أكثر، ومن هنا كان نصيب الأولاد أكثر من نصيب الأبوين؛ لأن الأولاد في الغالب يكونون ضعافًا يحتاجون إلى كثرة الإنفاق في التربية والتعليم وغير ذلك من مطالب الحياة التي يستقبلونها، وكذلك كان نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى؛ لأنه ينفق على نفسه وعلى زوجته وأولاده وعلى من تلزمه نفقته من ذوى رحمه، فكان له سهمان. وأما الأنثى فهي تنفق على نفسها فقط، فإذا تزوجت كانت نفقتها على زوجها، فكان لها سهم واحد،

فمن العدالة أن يكون التقسيم على مقدار الحاجة كما جاء به الشرع الحكيم، فالشرع قد حفظ الحقوق، وأعطى كل ذي حق حقه، وهذا لا يمنع الإنسان إذا كان له حق أن يتنازل عنه لذي حاجة وذي قرابة إذا كان ذلك فائضًا عن حاجته، وكان مستغنيًا عنه.

وقد نهى رسول الله عن وصية الضرار، وهى التي يقصد بها الموصي الإضرار بالورثة، ونهى عن الوصية بما فوق الثلث، وجعلها متوقفة على إجازة الورثة، وقال في ذلك: “الثلث، والثلث كثير أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس”.