ينبغي أن يعلم أولاً أن الوصية مشروعة بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين}سورة البقرة الآية 180.

وقال تعالى:{من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم} سورة النساء 12.

وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أَشْفَيْتُمنه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا ، قال قلت أفأتصدق بشطره قال لا الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في – فم – امرأتك…) رواه مسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية عند مسلم (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما مرت عليًّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي ). وغير ذلك من النصوص.

إذا تقرر هذا فإن الوصية تكون بالأمور المالية وتكون أيضاً بالأمور المعنوية فيمكن للإنسان أن يوصي بمبلغ من ماله لشخص معين أو جهة خيرية وقد يوصي بقضاء دين عليه أو يوصي ولده بحفظ كتاب الله أو يوصي أن يضحى عنه، فقد ورد مثل ذلك في الأحاديث والآثار ، فقد روى أبو داود بإسناده عن حنش قال: رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكبشين فقلت له ما هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حضر أُحدٌ – أي غزوة أحد – دعاني أبي من الليل فقال ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عليًّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً، فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه) رواه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها أوصت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: لا تدفني معهم – أي مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبداً) رواه البخاري.

وتنفيذ الوصية واجب عند أهل العلم ما دامت ضمن دائرة الشرع ولا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من وصية الميت ما دامت ضمن الضوابط الشرعية.

قال الله تعالى{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم}سورة البقرة الآيتان 180- 181.

حكم الوصية بما يخالف الشرع :

وأما إذا أوصى الميت بما يخالف الشرع فيجوز حينئذ تبديل الوصية باتفاق العلماء.

قال الإمام القرطبي: [ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز، مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه، كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث، قاله أبو عمر. – أي الحافظ ابن عبد البر – ] تفسير القرطبي 2/296.

فإذا أوصى الميت بحرمان أحد أولاده من الميراث فلا تنفذ وصيته حتى لو كان الولد عاقاً لأبيه حال حياته، فلا يجوز للأب أن يوصي بحرمان ولده العاق فهذه وصية باطلة وإن أوصى فلا تنفذ؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعطى كل وارث من الورثة حقه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه) رواه البخاري ومسلم.

وكذلك إذا أوصى الميت بنقله من محل وفاته إلى بلده وكان نقله يؤدي إلى تغير الميت أو انتهاك حرمته أو تأخير دفنه، فإن وصيته لا تنفذ؛ لأن في تنفيذها مخالفة للشرع، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي : حسن صحيح .

ويؤيد ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإسراع في الجنائز وتعجيل دفنها فقد ورد في الحديث: (إن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا) رواه أبو داود أي عجلوا في التجهيز والتكفين .

وكذلك إذا أوصى الإنسان أن لا يحضر جنازته أحد من الناس فوصيته لا تنفذ لمخالفتها للشرع.

ومثل ذلك إذا أوصى شخص أن يدفن في المسجد ؛ لأن إدخال القبور للمساجد لا يجوز شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال:( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ) رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث.

وكذلك إذا أوصى شخص أن يوضع معه مصحف في قبره ليستأنس به حسب زعمه فيحرم تنفيذ هذه الوصية لما فيها من امتهان واحتقار للمصحف الشريف ويجب صيانة المصحف عن القاذورات والنجاسات ، ويجب تكريمه والمحافظة عليه.

وكذلك لا تنفذ الوصية فيما لو أوصى لأحد الورثة، إلا إذا أجازها الورثة لما ثبت في الحديث من قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

وكذلك لا تصح الوصية بأكثر من الثلث ولا تنفذ عند جمهور أهل العلم إلا إذا أجازها الورثة، لما ورد في حديث سعد السابق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الثلث والثلث كثير) وقال الترمذي بعد أن رواه [والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث وقد استحب بعض أهل العلم أن ينقص من الثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلث كثير] سنن الترمذي 3/306.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو غض الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير أو كبير) رواه البخاري.