المقصود بالصلاة في الثوب الواحد ، هو لبس الثياب الذي لا يغطي عاتق الرجل أثناء الصلاة ، ولا يقصد به تغيير الثوب وتخصيص ثوب لكل صلاة ، والعلماء متفقون على أن الواجب في الصلاة ستر العورة ، والنهي عن الصلاة مع كشف العاتق مكروه تنزيها على الراجح من أقوال الفقهاء .

يقول الإمام الشيرازي في كتابه المهذب :

( فإن كان الإزار ضيقا اتزر به , وإن كان واسعا التحف به , ويخالف بين طرفيه على عاتقيه كما يفعل القصار في الماء لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا صليت وعليك ثوب واحد , فإن كان واسعا فالتحف به , وإن كان ضيقا فاتزر به } وروي عن ابن أبي سلمة رضي الله عنهما قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفا به , مخالفا بين طرفيه على منكبيه } فإن كان ضيقا فاتزر به أو صلى في سراويل فالمستحب أن يطرح على عاتقه شيئا لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } , فإن لم يجد ثوبا يطرحه على عاتقه طرح حبلا حتى لا يخلو من شيء ” ) . انتهى.

ويقول الإمام النووي في المجموع تعقيبا على هذه الأحاديث :
هذه الأحاديث الثلاثة رواها البخاري ومسلم , .. وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } فنهي كراهة تنزيه لا تحريم , فلو صلى مكشوف العاتقين صحت صلاته مع الكراهة , هذا مذهبنا , ومذهب مالك وأبي حنيفة وجمهور السلف والخلف .
وقال أحمد وطائفة قليلة : يجب وضع شيء على عاتقه لظاهر الحديث , فإن تركه ففي صحة صلاته عن أحمد روايتان , وخص أحمد ذلك بصلاة الفرض .
دليلنا حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( فاتزر به ) هكذا احتج به الشافعي في الأم واحتج به الأصحاب وغيرهم .انتهى

وفي نيل الأوطار للإمام الشوكاني :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } . رواه البخاري ومسلم , ولكن قال : ” على عاتقيه ” ، ولأحمد اللفظان ) .

الحديث اتفق عليه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشج بهما على عاتقيه فيحصل الستر من أعالي البدن , وإن كان ليس بعورة , أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة .

قال النووي : قال العلماء : حكمته أنه إذا اتزر به , ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه ; ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده فيشتغل بذلك , وتفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره ورفعهما .

والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد . قال النووي : ولا خلاف في هذا إلا ما حكي عن ابن مسعود , ولا أعلم صحته , وأجمعوا أن الصلاة في ثوبين أفضل ويدل أيضا على المنع من الصلاة في الثوب الواحد إذا لم يكن على عاتق المصلي منه شيء , وقد حمل الجمهور هذا النهي على التنزيه، وعن أحمد لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه . وعنه أيضا تصح ويأثم ، وغفل الكرماني عن مذهب أحمد فادعى الإجماع على جواز ترك جعل طرف الثوب على العاتق وجعله صارفا للنهي عن التحريم إلى الكراهة، وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي عدم الجواز ، وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضا , وعقد الطحاوي له بابا في شرح المغني ونقل المنع عن ابن عمر ثم عن طاوس والنخعي , ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير، وجمع الطحاوي بين الأحاديث بأن الأصل أن يصلي مشتملا فإن ضاق اتزر ونقل الشيخ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن الشافعي واختاره .

قال الحافظ : لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه . واستدل الخطابي على عدم الوجوب { بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه , وهي نائمة } .

قال : ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع ; لأن يتزر به , ويفضل منه ما كان لعاتقه , وفيما قاله نظر لا يخفى قاله الحافظ .
إذا تقرر عدم صحة الإجماع الذي جعله الكرماني صار للنهي فالواجب الجزم بمعناه الحقيقي وهو تحريم ترك جعل طرف الثوب الواحد حال الصلاة على العاتق والجزم بوجوبه مع المخالفة بين طرفيه بالحديث الآتي حتى ينتهض دليل يصلح للصرف , ولكن هذا في الثوب إذا كان واسعا جمعا بين الأحاديث ..وقد عمل بظاهر الحديث ابن حزم فقال : وفرض على الرجل إن صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه فإن لم يفعل بطلت صلاته , إن كان ضيقا اتزر به , وأجزأه سواء كان معه ثياب غيره أو لم يكن , ثم ذكر ذلك عن نافع مولى ابن عمر والنخعي وطاوس .انتهى

وإن كانت هناك أحاديث تنهى عن الصلاة في الثوب الواحد ، وأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الثوب الواحد ، فإنه لا اختلاف بينهما، لأن النهي هنا للاختيار كما قال الإمام الشافعي :

وليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء والله أعلم. اختيار لا فرض بالدلالة عنه صلى الله عليه وسلم بحديث جابر وأنه صلى في مرط ميمونة بعضه عليه وبعضه على ميمونة ، لأن بعض مرطها إذا كان عليها فأقل ما عليها منه ما يسترها مضطجعة ويصلى النبى عليه السلام في بعضه قائما ، ويتعطل بعضه بينه وبينها أو يسترها قاعدة فيكون يحيط بها جالسة ويتعطل بعضه بينه وبينها، فلا يمكن أن يستره أبدا إلا أن يأتزر به ائتزارا وليس على عاتق المؤتزرين في هذه الحال من الإزار شيء، ولا يمكن في ثوب في دهرنا أن يأتز به ثم يرده على عاتقيه أو أحدهما ثم يسترها ، وقلما يمكن هذا في ثوب في الدنيا اليوم .

وكذلك روى عن النبى عليه السلام أنه قال ” إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليتوشح به فإن لم يكفه فليأتزر به.

(قال الشافعي) وإذا صلى الرجل فيما يوارى عورته أجزأته صلاته وعورته ما بين سرته وركبته وليست السرة والركبة من العورة.