يقول الدكتور السيد صقر المدرس بجامعة الأزهر:

لم يحدد الشرع في النفقة على المرأة مقدارًا معينًا من النقود أو غيرها . بل الواجب هو تلبية حاجتها بالمعروف . والحاجة تختلف من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن وسط لآخر، ومن رجل لآخر، ومما لا يحتاج إلى تنبيه أن النفقة لا تقتصر على المذكور في الحديث الشريف من الطعام والكسوة، فقد ذكر الإسكان في القرآن الكريم في قوله تعالى ( أسكنوهن من حيث سكنتم ) وكما يطالب الزوج بالسكن فإنه يطالب بتوفير كل ما تحتاج إليه الزوجة مما لا غنى لها عنه ، ولكن ذلك كله يراعى فيه حال الزوج يسرا وعسرا ، أو غنى وفقرا، وينضبط بالمعروف.

فإذا كانت الزوجة في حاجة ماسة إلى بعض الأجهزة الحديثة فالزوج مطالب به في حدود طاقته ، ودون أن يكلف بما ليس في وسعه ، كما قال تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر ـ أي ضيق ـ عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) ، وأما الأجهزة الشخصية فلا يطالب بها إلا إذا كانت ضرورية، فلو كلف بها الزوج من غير ضرورة لما كان لها حد ، فكل يوم تجد أجهزة والمرأة إذا جرت وراءها لن تشبع وسترهق زوجها وتتسبب في خراب بيتها، والعاقلة تتجنب الضرر وتحافظ على بيتها.

ويري الأحناف: أن النفقة غير مقدرة بالشرع، وأنه يجب على الزوج لزوجته قدر ما يكفيها من الطعام، والإدام، واللحم والخضر، والفاكهة، والزيت، والسمن.. وسائر ما لا بد منه للحياة حسب المتعارف.. وأن ذلك يختلف باختلاف الأمكنة، والأزمنة، والأحوال.
كما يجب عليه كسوتها صيفًا وشتاءً ورأوا تقدير نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج، يسرًا وعسرًا مهما تكن حالة الزوجة، لقول الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها، سيجعل الله بعد عسر يسرًا. وقوله سبحانه: (أسكنوهن من حيث سكنتم، من وجدكم).

مذهب الشافعية في تقدير النفقة:
والشافعية لم يتركوا تقدير النفقة إلى ما فيه الكفاية، بل قالوا: إنما هي مقدرة بالشرع، وإن اتفقوا مع الأحناف في اعتبار حال الزوج يسرًا وعسرًا، وأن على الزوج الموسر وهو الذي يقدر على النفقة بماله وكسبه – في كل يوم مدين.. وأن على المعسر الذي لا يقدر على النفقة بمال ولا كسب- مدًا في كل يوم.. وأن على المتوسط مدًا ونصفًا، واستدلوا لمذهبهم هذا بقول الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).
قالوا: ففرق بين الموسر والمعسر، وأوجب على كل واحد منهما على قدر حاله، ولم يبين المقدار فوجب تقديره بالاجتهاد، وأشبه ما تقاس عليه النفقة، الطعام في الكفارة لأنه طعام يجب بالشرع لسد الجوعة، وأكثر ما يجب في الكفارة للمسكين مدًا، في فدية الأذى. وأقل ما يجب مد وهو في كفارة الجماع في رمضان. فإن كان متوسطًا لزمه مد ونصف، لأنه لا يمكن إلحاقه بالموسر، وهو دونه، ولا بالمعسر وهو فوقه. فجعل عليه مد ونصف.
قالوا: ولو فتح باب الكفاية للنساء من غير تقدير لوقع التنازع، لا إلى غاية. فتعين ذلك التقدير اللائق بالمعروف. وهذا خلاف ما لا بد منه في الطعام من الإدام واللحم، والفاكهة.
وقالوا: يجب لها الكسوة مع مراعاة حال الزوج من اليسار والإعسار، فلزوجة الموسر من الكسوة، ما يلبس عادة في البلد من رفيع الثياب. ولامرأة المعسر الغليظ من القطن، والكتان، ونحوهما. ولامرأة المتوسط ما بينهما.
ويجب لها مسكن على قدر يساره، وإعساره، وتوسطه، مع تأثيث المسكن تأثيثًا يتناسب مع حالته. وقالوا: إذا كان الزوج معسرًا ينفق عليها أدنى ما يكفيها من الطعام، والإدام، بالمعروف. ومن الكسوة أدنى ما يكفيها من الصيفية والشتوية. وإن كان متوسطًا ينفق عليها أوسع من ذلك بالمعروف ومن الكسوة أرفع من ذلك كله بالمعروف. وإنما كانت النفقة والكسوة بالمعروف، لأن دفع الضرر عن الزوجة واجب، ولذلك بإيجاب الوسط من الكفاية وهو تفسير المعروف.

العمل في المحاكم الآن:
وما ذهب إليه الشافعية وبعض الأحناف من رعاية حال الزوج المالية، حين فرض النفقة، هو ما جرى به العمل الآن في المحاكم المصرية مثلا، تطبيقًا للمادة 16 من القانون رقم 25 لسنة 1929. ونصها: “تقدير نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسرًا وعسرًا، مهما كانت حالة الزوجة” وهذا هو العدل، لأنه يتفق مع الآيتين المتقدمتين.

تقدير النفقة عينًا أو نقدًا:
يصح أن يكون ما يفرض من النفقة من الخبز، والإدام والكسوة، أصنافًا معينة، كما يصح أن تفرض قيمتها نقدًا لتشتري به ما تحتاج إليه. ويصح أن تفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب ما هو ميسور للزوج.
والذي يسري عليه العمل الآن في المحاكم، هو فرض بدل طعام الزوجة شهريًا، وبدل كسوتها عن ستة شهور. باعتبار أنها تحتاج في السنة إلى كسوة للصيف، وأخرى للشتاء.
وبعض القضاة يفرض مبلغًا شهريًا للنفقة بأنواعها الثلاثة بدون تفصيل، مراعيًا أن يكون فيما يفرضه لها كفاية لطعامها، وكسوتها، وسكناها، حسب حالة الزوج عسرًا أو يسرًا.انتهى

وبعد استعراض أقول الفقهاء نقول إن الواجب على الزوج من النفقة هو كفاية الزوجة من الطعام أو الكسوة أو الاحتياجات الأخرى كل حسب طاقته وحسب غناه أو فقره ويمكن أن يكون ذلك عينيا أو نقديا حسب ظروفه أيضا.