سئل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هذا السؤال في برنامج فقه الحياة، الذي أذيع على قناة أنا فأجاب :

السنة كما ابتليت بمن يكذب عليها ويبث فيها ما ليس منها، وبمن ينكر حجيتها ويقول إنه لا يؤخذ منها حكم، وإننا لا نؤمن إلا بالقرآن، والجماعة الذين يسمونهم في عصرنا القرآنيين، وهم ليسوا بقرآنيين، لأن القرآن هو الذي دعانا إلى الأخذ بالسنة (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر : 7]) (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور : 51]) ابتليت كذلك بمن يسيء فهمها ويفهمها على غير وجهها، وهذا الذي قال فيه الحديث: “ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلون وتأويل الجاهلين” فتأويل الجاهلين يفقد السنة معناها.

وإذا وضعت السنة في غير موضعها وفهم منها غير ما يراد أن يفهم منها، لم يعد لهذه السنة معنى، ولذلك حرص رجال السنة على أن يكتبوها ويشرحوها، ومن هنا جاءت شروح كتب السنة المعروفة، وهي بالعشرات، مثل شروح البخاري وشروح مسلم، وشروح السنن الأربع، وشرح الموطأ، وشرح ابن حبان، وشرح مسند الإمام أحمد.

وأحد الضوابط الأساسية لفهم السنة فهمًا صحيحًا أن توضع في ضوء القرآن الكريم، فالقرآن هو أصل التشريع، ولا يمكن أن نقبل السنة من حيث الثبوت، أو نفهمها من حيث الدلالة إلا إذا كان القرآن هو الأساس الأول، وإذا وجدنا تعارضًا بين الحديث والقرآن لا يقبل الحديث، فمثلاً روى أبو داود حديثًا صححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ، قال: “الوائدة والموؤدة في النار” وأنا كقارئ للقرآن أجد قوله تعالى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير : 8 ، 9]) بمعنى أنه لا ذنب لها، فكيف تكون موءودة وتكون مسئولة عن وأدها؟ حيث ارتكبت في حقها جريمة من أبشع الجرائم، قتل طفل بريء بغير نفس، وقتله من جهة أبيه، وقتله بطريقة من أبشع الطرق، فلو ضرب بنته بالسيف فهذا أسهل، ولكن يحفر لها حفرة ويدفنها حية، ما ذنبها؟ ومع هذا الشيخ الألباني قبل هذا الحديث وصححه، لأنه نظر إلى السند فقط، وهذا ليس منهجًا صحيحًا لأنه إذا كان المتن والمضمون مخالفًا لقطعي القرآن لا أقبله.

وعما إذا كان هذا هو ما يصفه علماء الحديث بأنه الشذوذ أو العلة؟ أجاب فضيلته :

هذا يدخل في العلة، فالشذوذ هو أن يروي الثقة مخالفًا من هو أوثق منه، أما العلة فهي نوعان: علة المتن وعلة في السند ، ومن هذا تصحيحات الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير، حيث صحح عدة أحاديث تقول إن لحوم البقرة داء وليست دواء، وحكم عليها بأنها صحيحة وليست فقط حسنة، فكيف يكون هذا مع أن الله أحل لحوم البقر وقال: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [الأنعام : 144])وهي من الأنعام (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ  [المائدة : 1])،” وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [النحل : 5]” كما أن الرسول ضحى بالبقر، فالقرآن يجب أن يكون في الصدارة، وما يخالف القرآن لا يقبل، وهذا منهج لا بد أن نعترف به ونقره ويؤمن به كل من يريد أن يخدم السنة أو يشرحها للناس.