المضاربة على العملات من أكثر الممارسات شيوعًا في هذه الأيام داخل البورصات العالمية، والمقصود بها شراء عملة يتوقع أن يرتفع سعرها لبيعها وقت ارتفاع سعرها، أو بيع عملة يتوقع هبوط في سعرها أو مزيد في هبوط سعرها تفاديًا للخسارة أو تقليلا لها، وأكثر المضاربة على العملات إنما تتم بنظام الهامش (المارجن)، حيث يتاح للمستثمر أن يضارب بعشرات أضعاف ما يملك من أموال مقترضًا هذه الأضعاف المضاعفة من السمسار.

وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذه القضية في دورته الحادية عشرة سنة (1998)م، وقدم للمجمع وقتها بحثان –هما مجموعة ما قدم من أبحاث في الموضوع- وقد نحا البحثان إلى منع جعل العملات محلا للمتاجرة (المجازفة)، إلا أن المجمع لم يتخذ في حكم المتاجرة بالعملة في هذه الدورة قرارًا، ولا في الدورات الخمس التي تلتها حتى كتابة هذه السطور.

ومن خلال تتبع مناقشة هذا الموضوع داخل المجمع يتبين لنا أن العلماء انقسموا إلى فريقين:[1]

الفريق الأول: يرى أنه لا بأس بجعل العملات محلا للبيع والشراء بقصد المتاجرة (مضاربة بالمعنى الشائع وإن كان خطأ من الناحية الشرعية) طالما أن المتاجرين بها ملتزمون بالضوابط الشرعية لقواعد الصرف وممن رأى ذلك (الدكتور علي محيي الدين القره داغي، والدكتور مختار السلامي، والدكتور عبد الله بن بيه[2]، والدكتور صالح المرزوقي[3]).

الفريق الثاني: يرى أنه لا يجوز جعل العملات محلا للبيع والشراء بقصد المتاجرة لا في السوق العاجلة ولا الآجلة، وهذا ما عليه أكثر العلماء، وممن قال بذلك: (الدكتور عبيد العقروبي، والشيخ عكرمة صبري، والشيخ الصديق الضرير، والدكتور محمد علي القري، والدكتور علي السالوس، وصاحبا البحثين المقدمين للمجمع الدكتور أحمد محيي الدين أحمد، والدكتور شوقي أحمد[4]، والدكتور سامي السويلم، والدكتور محمد بن سعود العصيمي[5]).

أسباب منع المضاربة بالعملات:

تتلخص الأسباب التي حدت بالفريق الثاني إلى منع المتاجرة بالعملة إلى سببين:

السبب الأول: أن تبادل العملات في أسواق العملات به إخلال بقواعد الصرف.

وبيان ذلك أنه يوجد نوعان من التعامل في أسواق العملات: نوع يسمى التعامل العاجل (SPOT)، ونوع يسمى التعامل الآجل (Forward)، فما الذي يعنونه بالتعامل العاجل؟
يعنون بهذا أن العملات المتبادلة المباعة والمشتراة يتم تسليمها خلال يومي عمل بخلاف اليوم الذي تم التعاقد فيه على إجراء العملية، مع مراعاة أيام العطلات الرسمية في حساب تواريخ الاستحقاق وهي: السبت والأحد في أوروبا وأمريكا والجمعة في الشرق الأوسط.
ويترتب على ذلك أنه إذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة أوروبية يوم الجمعة فسيكون التسليم الفعلي يوم الثلاثاء بإهدار يومي السبت والأحد لأنهما عطلة رسمية في أوروبا وأمريكا.
وإذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة شرق أوسطية يوم السبت فسيكون التسليم الفعلي يوم الأربعاء بإهدار أيام الجمعة والسبت والأحد؛ لأنها أيام عطلة في الشرق الأوسط فكأن العملية تمت يوم الإثنين فيكون التسليم يوم الأربعاء بعد يومي عمل، وما يحدث يوم التعاقد هو تسجيل للعملية فقط. ويعود السبب في ذلك لأمور تنظيمية وإدارية لتمكين الأطراف المعنية من التأكد من صحة كل جوانب العملية وتدقيقها وإنجاز الوثائق الخاصة بها. [6]
ولا شك أن التأخر على هذا النحو به إخلال بالقواعد الحاكمة بتبادل العملات، والتي بينها نحو حديث عبادة بن الصامت: حيث قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينًا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى. رواه مسلم وغيره.
ونحو حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء” أي إلا يدًا بيد. رواه البخاري ومسلم.
وهذا التأخر قد يجوز للضرورة وللحاجة التي تنزل منزلتها، من كل محتاج للعملة للاستيراد وغيره، وأما أن يرخص في هذا للمقامرات على العملة فلا.
السبب الثاني: ما تسببه المقامرة بالعملات من مخاطر على الاقتصاد.

 يقول الدكتور محمد بن سعود العصيمي – أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
إن جعل العملات مجالا للمضاربة أمر فيه ضرر بالغ للاقتصاديات التابعة للعملة. وما آثار الاضطرابات في العملات المحلية والدولية في الغالب إلا من جراء جعل العملات مجالا للمضاربة. وقد نهى السلف -رحمهم الله- عن جعل العملات مجالا لذلك. ولذلك لا أتردد في القول بتحريم المضاربة في عملات البلدان الإسلامية خاصة الفقيرة؛ لما فيها من الضرر المتعدي على جميع مسلمي تلك الديار[7].انتهى.

وهذا كله فيما إذا وقعت المضاربة على العملات دون مارجن فإذا كانت عن طريق المارجن فهي حرام كلمة واحدة سواء اشترط التاجر فوائد على القرض أو اشترط عمولة فقط على عمليات البيع والشراء كما جاء بقرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

[1] – المجلد الأول للدورة الحادية عشرة من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

[2] – يرى الدكتور عبد الله بن بيه أن الأصل جواز المتاجرة بالعملات، وقد يعرض ما يمنع ذلك سدا للذريعة كأن تؤدي المتاجرة بها إلى الضرر والفساد.

[3] – أجاز جعل العملات محلا للمتاجرة إلا أنه لم يجز الكيفية التي يتم بها البيع بالطرق العاجلة والآجلة معا، فرأيه وإن بدا أنه مع الفريق المجيز فإنه في حقيقته وصل إلى ما هو أشد من رأي المانعين.

[4] – مجلة المجمع في دورته الحادية عشرة، وتتبعت آراءهم من خلال عرض المجلة وقائع مناقشتهم هذا الموضوع.

[5] – كما هو مبين في فتاوى لهما بموقع الإسلام اليوم.

[6] – انظركتاب (محاكاة سوق القطع الأجنبي ليزيد المفتي) نقلا عن مجلة مجمع الفقه الإسلامي في العدد الحادي عشر.

[7] – انظر فتواه بموقع الإسلام اليوم، وانظر بحثي الدكتورين (أحمد محيي الدين، وشوقي أحمد) المقدمين في الدورة الحادية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.