كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسابق بين أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على الخيل، والإبل، وإصابة الأهداف في الرماية، ويشجعهم على ذلك بالمال وغيره، انطلاقاً من عموم قوله ـ تعالى: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ” (الأنفال: آية 60).

وقد اتفق العلماء على جواز المكافأة أو الجائزة في التسابق إذا كان على أدوات القتال؛ لِمَا صح من قوله ـ صلى الله عليه وسلم: “لا سَبْقَ إلا في خُفٍّ أَو نَصْلٍ أَو حَافِرٍ”، والسَّبْقُ بفتح الباء: الجائزة، ولكنهم اختلفوا في الجائزة على التسابق في غير أدوات القتال، والصحيح جوازه ما دام في أمر مشروع كالمسابقات الرياضية، والعلمية؛ لأن من شأن هذه الأمور وأمثالها من الأمور المشروعة تحقيق معنى القوة، التي يجب أن يتصف بها المؤمن وتكسبه الخيرية والأفضلية، لما صح من قوله ـ صلى الله عليه وسلم: “المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ المُؤْمنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ”.

وقد استحسن الفقهاء أن تكون هذه الجائزة من الدولة، أو من هيئة، أو شخص غير المتسابقين، فإن كان من بعض المتسابقين دون بعض جاز ذلك؛ لكن إذا كانت الجائزة من جميع المتسابقين فإن جمهور الفقهاء يرون منع ذلك، إلا إذا دخل بينهم ما يسمونه بالمحلل، وهو شخص، أو ناد لا يدفع شيئاً، وإذا ربح أخذ الجائزة، وإذا خسر لم يخسر شيئاً، محاولة من هؤلاء الفقهاء لتجنب شبهة القمار.

ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ ذهبا إلى جواز ذلك، وأنكرا فكرة المحلل هذه؛ لأنه شخص أو نادٍ مثلاً يأخذ إذا ربح، ولا يخسر شيئاً إذا خسر، وقالا: “إن هذا ظلم لا تأتي الشريعة الإسلامية بمثله؛ لأن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الغنم بالغرم، والغرم بالغنم. فمن يتحمل عبء الخسارة عند التأخر يجب أن يحصل على الجائزة عند السبق والتفوق، ومن لا يتحمل في الخسارة لا يحصل على شيء من المكافأة”.

ونميل إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ فلا مانع من إخراج كل نادٍ مبلغاً من المال يتساوى مع ما يخرجه الآخرون، ومن فاز في النهاية أخذ الجائزة. ما دام الغرض من ذلك كله تقوية المؤمن بدنيًّا ونفسيًّا وعلميًّا وأخلاقيًّا، وهكذا يمكن أن يقال في المسابقات العلمية، والثقافية، والرياضية الأخرى.