يقول فضيلة الشيخ المستشار فيصل مولوي-رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
هناك فرق واضح بين المسابقات المشروعة والمراهنات المحرمة؛ المسابقة المشروعة تتم بين فريقين رياضيين، وحين يفوز أحدهما ينال جائزة لنجاحه في المباريات، وهذا الشكل يدخل في المسابقات المباحة .
أما المراهنات المحرمة -التي هي القمار بعينه- فهي أن يأتي اثنان من المشاهدين (المتفرجين) ويراهن أحدهما الآخر أنه إذا نجح الفريق الفلاني فلك مني مبلغ معين من المال، ويقول الآخر: إنه إذا نجح الفريق الثاني فهو يدفع مبلغاً من المال؛ فهذه مراهنة لا علاقة لها بالمسابقة بين الفريقين الرياضيين؛ لأنها تتم بين طرفين لا علاقة لهما بالمسابقة، والمبلغ المالي يناله أيضاً طرف لا علاقة له بالمسابقة، وهذا هو الرهان.

وهو نفسه ما حصل بين أبي بكر رضي الله تعالى عنه والمشركين قبل تحريم القمار، عندما نزل قول الله عز وجل: “الم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين”، فأقدم أبو بكر على مراهنة المشركين، وقال لهم: إن الروم سيغلبون الفرس خلال ثلاثة أعوام، وراهنه المشركون على ذلك لقاء مبلغ من المال، ولما أخبر أبو بكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك ولم يكن قد نزل تحريم القمار أمره بمد الأجل أي زيادة مدة الرهان من ثلاث سنين إلى تسع سنين؛ لأن كلمة البضع تعني “لغة” ما بين ثلاث إلى تسع سنين، وخلال هذه المدة انتصر الروم على الفرس وربح أبو بكر الرهان
فالطرفان هنا “أبو بكر” و”المشركون” لا علاقة لهما بالحرب بين الروم والفرس، وإنما كانت المراهنة بينهما نوعاً من القمار، وقد نزل تحريمه فيما بعد، فلما قبض أبو بكر الرهان أمره رسول الله أن يصرفه إلى الفقراء .

وقد جاء في فتاوى الأزهر :
القمار حرام بقوله تعالى {‏ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .‏إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهل أنتم منتهون }‏ المائدة ‏90 ، ‏91 ، فقد قال ابن عباس وقتادة ومعاوية بن صالح وعطاء وطاووس ومجاهد: الميسر القمار. فكل ما كان قمارا فهو ميسر محرم بالآية الكريمة إلا ما رخص فيه بدليل آخر كما سيأتي ومحرم أيضا بقوله تعالى {‏ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيما .‏ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا }‏ النساء ‏29 ، ‏30 ، وبقوله تعالى {‏ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون }‏ البقرة ‏188 .

وذلك لأن أكل المال بالباطل وجهين:

أحدهما: أخذ المال بغير رضا صاحبه بل على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب ونحو ذلك .‏

والآخر: أخذه برضا صاحبه من جهة محظورة نحو القمار والربا، وقد أجمع المسلمون على حرمة القمار .‏

هذا ولا نعلم خلافا في أن ما كان على سبيل المخاطرة بين شخصين بحيث يغنم كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار .‏

وذهب الحنفية إلى أن كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار أخذا مما روى أن رجلا قال لرجل إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا فارتفعا إلى على رضي اللّه عنه فقال هذا قمار ولم يجزه .
ومن أجل ذلك أبطل الحنفية عقود التمليكات المعلقة على الأخطار من الهبات والصدقات وعقود البياعات، فإذا قال وهبتك هذا المال إذا خرج عمرو كانت هذه الهبة باطلة غير مفيدة للملك ولو قبضها، وذهبوا إلى أن كل تمليك معلق على الحظر فهو باطل غير مفيد للملك كما يؤخذ من كلام الجصاص في كتابه -‏ أحكام القرآن -‏ عند الكلام على قوله تعالى {‏ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما }‏ البقرة ‏219 ، وعند الكلام على قوله تعالى {‏ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }‏ قال الجصاص ـ وهو إمام الحنفية في عصره ـ : ولا خلاف في حظر القمار إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب والإبل والنصال. ( الرماح وأدوات التنشين) وساق بعض الأدلة من السنة على ذلك .‏

وحاصل ما قاله الحنفية في هذا الموضوع أن الرهان بمال إنما يجوز فيما دل الدليل على الإذن به من المسابقة بالخيل والإبل والرمي والأقدام والفقه .‏ وحكمة مشروعية هذا الإذن أن الحاجة ماسة إلى تعلم الفروسية وإعداد الخيل وزيادة الخبرة بالرمي والتفقه في الدين وإعلاء كلمة اللّه بالجهاد والمسابقة في هذه الأشياء وسيلة إلى ذلك وقالوا إن المسابقة فيما ذكر إنما تجوز بجعل (جائزة) في الصور الثلاث الآتية :-

‏ الأولى:أن يكون المال المعين للسابق من غير المتسابقين بأن يكون من ولي الأمر سواء أكان من ماله الخاص أم من بيت المال -‏ أو من أجنبي متبرع وهو المسمى الآن بالجوائز .

‏الثانية:أن يكون المال من أحد المتسابقين دون الآخر بأن يتسابق اثنان ويقول أحدهما لصاحبه إن سبق فرسُك فرسي مثلا كان لك كذا منى، وإن سبق فرسي فرسَك فلا شيء لي عليك .

‏ الثالثة:أن يكون المال من كل من المتسابقين ويدخلا ثالثاً بينهما ويقولا للثالث إن سبقتنا فالمال لك وإن سبقناك فلا شيء لنا عليك -‏ والشرط الذي شرطاه بينهما وهو أيهما سبق كان له الجعل على صاحبه -‏ باق على حاله -‏ فإن غلبهما الثالث أخذ المالين وإن غلباه فلا شيء لهما عليه ويأخذ أيهما غلب المشروط له من صاحبه .‏ أما إذا كان المال مشروطا من كل منهما ولم يدخلا هذا الثالث فهو من القمار المحرم .‏
هذا خلاصة مذهب الحنفية، وقد أجاز بعض العلماء من غير الحنفية أن يكون الجعل (الجائزة) من كل منهما بدون إدخال الثالث بينهما.‏

ولكن المعروف عن الأئمة الأربعة عدم حل هذه الصورة .‏ وما قلناه هو الجائز شرعا على النحو الذي بينا .‏ ومنه يعلم أن الرهان المعروف الآن سواء كان رهانا على سباق الخيل أم غيره من أنواع الرهان من القمار المحرم شرعا الذي ليس هناك نصوص تبيحه ،بل قد دلت النصوص التي ذكرناها على حرمته.

وإنما حرم الشارع الميسر الشامل لأنواع الرهان الموجودة الآن لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي نشاهدها كل يوم .‏ فقد أفضى إلى ضياع أموال كثيرة من المتراهنين وخراب بيوت لأسر كريمة، كما حمل الكثير من المقامرين على ارتكاب شتى الجرائم من السرقة والاختلاس بل والانتحار أيضا فالمطلع على ذلك وغيره مما أدى ويؤدى إليه القمار يزداد إيمانا بأن من رحمة اللّه وفضله وباهر حكمته أن حرمه على عبادة كما حرم عليهم كثيرا من الأشياء لما يترتب عليها من المفاسد والمضار.( انتهى)