يقول الدكتور يوسف القرضاوى فى هذه المسألة:
قد شدد الإسلام في أمر التستر والتصوّن للمرأة المسلمة، ولم يرخص في ذلك إلا شيئًا يسيرًا خفف به عن عجائز النساء، قال تعالى: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم) (النور: 60).
والمراد بالقواعد: النساء اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن فلا يطمعن في الزواج، ولا يرغبن في الرجال كما لا يرغب فيهن الرجال.
فهؤلاء قد خفف الله عنهن، ولم يجعل عليهم حرجًا أن يضعن من بعض الثياب الخارجية الظاهرة كالمحفة والملاءة والعباءة والطرحة ونحوها.
وقد قيد القرآن هذه الرخصة بقوله: (غير متبرجات بزينة) (النور 60) أي غير قاصدات بوضع هذه الثياب للتبرج، ولكن للتخفف إذا احتجن إليه.
ومع هذه الرخصة، فالأفضل والأولى أن يتعففن عن ذلك، طلبًا للأكمل وبعدًا عن كل شبهة (وأن يستعففن خير لهن). (النور 60).

ويقول الإمام الطبرى في تفسير هذه الآية:

‏( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ‏)
‏القول في تأويل قوله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} يقول تعالى ذكره: واللواتي قد قعدن عن الولد من الكبر من النساء, فلا يحضن ولا يلدن; واحدتهن قاعد. {اللاتي لا يرجون نكاحا} يقول: اللاتي قد يئسن من البعولة, فلا يطمعن في الأزواج. {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} يقول: فليس عليهن حرج ولا إثم أن يضعن ثيابهن, يعني جلابيبهن, وهي القناع الذي يكون فوق الخمار والرداء الذي يكون فوق الثياب, لا حرج عليهن أن يضعن ذلك عند المحارم من الرجال وغير المحارم من الغرباء غير متبرجات بزينة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك- حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا} وهي المرأة, لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرج لما يكره الله, وهو قوله: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} ثم قال: {وأن يستعففن خير لهن}. – حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {يضعن ثيابهن} يعني: الجلباب, وهو القناع; وهذا للكبيرة التي قد قعدت عن الولد, فلا يضرها أن لا تجلبب فوق الخمار.

وأما كل امرأة مسلمة حرة, فعليها إذا بلغت المحيض أن تدني الجلباب على الخمار. وقال الله في سورة الأحزاب: {يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} [الأحزاب: 59] وكان بالمدينة رجال من المنافقين إذا مرت بهم امرأة سيئة الهيئة والزي, حسب المنافقون أنها مزنية وأنها من بغيتهم, فكانوا يؤذون المؤمنات بالرفث, ولا يعلمون الحرة من الأمة; فأنزل الله في ذلك: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} [الأحزاب: 59] يقول: إذا كان زيهن حسنا لم يطمع فيهن المنافقون. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جريج, في قوله: {والقواعد من النساء} التي قعدت من الولد وكبرت.

قال ابن جريج: قال مجاهد: {اللاتي لا يرجون نكاحا} قال: لا يردنه. {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} قال: جلابيبهن. – حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} قال: وضع الخمار, قال: التي لا ترجو نكاحا, التي قد بلغت أن لا يكون لها في الرجال حاجة ولا للرجال فيها حاجة; فإذا بلغن ذلك وضعن الخمار غير متبرجات بزينة. ثم قال: {وأن يستعففن خير لهن} كان أبي يقول هذا كله. – حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن, قالا: ثنا سفيان, عن علقمة بن مرثد, عن ذر, عن أبي وائل, عن عبد الله, في قوله: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} قال: الجلباب أو الرداء. شك سفيان. – قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن مالك بن الحارث, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن عبد الله: {ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} قال: الرداء- حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال: ثنا أبي, عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن مالك بن الحارث, عن عبد الرحمن بن يزيد, قال: قال عبد الله في هذه الآية: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} قال: هي الملحفة. – حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن الحكم, قال: سمعت أبا وائل قال: سمعت عبد الله يقول في هذه الآية: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} قال: الجلباب. * – حدثنا يحيى بن سعيد, عن شعبة, قال: أخبرني الحكم, عن أبي وائل, عن عبد الله, مثله. * – حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوري, عن الأعمش, عن مالك بن الحارث, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن ابن مسعود, فى قوله: {أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} قال: هو الرداء- قال الحسن, قال: عبد الرزاق, قال الثوري: وأخبرني أبو حصين وسالم الأفطس, عن سعيد بن جبير, قال: هو الرداء. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي: {أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} قال: تضع الجلباب المرأة التي قد عجزت ولم تزوج.

قال الشعبي: فإن أُبي بن كعب يقرأ: “أن يضعن من ثيابهن- حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, قال: قلت لابن أبي نجيح, قوله: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} قال: الحلباب. قال يعقوب, قال أبو يونس: قلت له: عن مجاهد؟ قال: نعم, في الدار والحجرة- حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} قال: جلابيبهن. ‏
‏( غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ‏)
‏وقوله: {غير متبرجات بزينة} يقول: ليس عليهن جناح في وضع أرديتهن إذا لم يردن بوضع ذلك عنهن أن يبدين ما عليهن من الزينة للرجال. والتبرج: هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تستره. ‏

‏( وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ) ‏
‏وقوله: {وأن يستعففن خير لهن} يقول: وإن تعففن عن وضع جلابيبهن وأرديتهن, فيلبسنها, خير لهن من أن يضعنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: – حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {أن يستعففن خير لهن} قال: أن يلبسن جلابيبهن. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي: {وأن يستعففن خير لهن} قال: ترك ذلك, يعني ترك وضع الثياب- حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: {وأن يستعففن خير لهن} والاستعفاف: لبس الخمار على رأسها, كان أبي يقول هذا كله. ‏

‏( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ‏
‏{والله سميع} ما تنطقون بألسنتكم. {عليم} بما تضمره صدوركم, فاتقوه أن تنطقوا بألسنتكم ما قد نهاكم عن أن تنطقوا بها, أو تضمروا في صدوركم ما قد كرهه لكم, فتستوجبوا بذلك منه عقوبة. ‏