رَوى البخاري ومسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال: ” كلُّ أمتي مُعَافىً إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يَعمل الرجل عملًا بالليل فيَسْتُره ربُّه، ثم يُصْبِح فيَكْشِف سِتْرَ الله عنه”، وروى الحاكم وصححه أن النبي ـ ﷺ ـ قال:
“الحياء والإيمان قُرَناء جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رُفِع الآخر” ولما رجم النبي ـ ﷺ ـ ماعزًا الأسلَمي قال:
“اجْتَنِبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمَن ألمَّ بشيء منها فليَسْتَتِر بِسِتْر اللهِ، فإن أبْدَى لَنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ” صحَّحه الحاكم وابن السَّكن، وقال الذهبي في المُهذب: إسناده جيد وقال إمام الحرمين: صحيح متفق عليه، قال ابن الصلاح: عجيب أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث “الزرقاني على المواهب ج4 ص 261″، ورَوى أبو داود والنسائي أن هُزالًا لمَّا ذهب إلى النبي ـ ﷺ ـ يُخْبُره عن زنا ماعز، فحَضَر ماعز وأقرَّ ورُجِمْ، قال النبي لهُزال ” لو ستَرْتَه بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ”،
وَرَوى مسلم وغيره أن رجلًا قال للنبي ـ ﷺ ـ إني عالجت امرأة من أقصى المدينة وأصبْت منها ما دون أن أمَسَّها، فأنا هذا، فأقِمْ عليَّ ما شئتَ، فقال عُمر: لَقَدْ سَتَرَ الله عليك لو سترْتَ على نفسك، فلم يردَّ النبي ـ ﷺ ـ شيئًا ” نيل الأوطار ج7 ص 106. يُؤْخَذ من هذا أن سِتْر الإنسان على نفسه وسترَ الغير عليه مطلوب، ولو استغفر العاصي ربَّه وتاب إليه عافاه الله، والمجاهرون بالمعصية قوم غاضَ ماءُ الحياء من نفوسهم، وتبَلَّد حِسُّهم، وماتت ضمائرهم، فقلَّما يُفكرون في العَودة إلى الصواب وبهذا يموتون على عصيانهم وفسوقهم.
فالمطلوب ممن يرتكبون المعصية أيًّا كانت أن يستتروا بها، وأن ينْدَموا ويتوبوا، وألا يُفْشوها للناس فقد يُقام عليهم الحدُّ أو التعزير، ثمَّ ينْدمون ولاتَ ساعةَ مَنْدَم، وفي الإفْشاء إغراء للبُسَطَاء بالعِصْيان، ووضْع لأنفسهم موضع التُّهمة والاحتقار، ورحم الله امرأ ذبَّ الغيبة عن نفسه، والله يقول: ( إنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ) (سورة النور:19)