ندب الله سبحانه وتعالى المؤمنين إلى الطهارة ، كما حثهم عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في كل وقت حتى عند النوم ، وهذه الطهارة إما طهارة من الجنابة بالاغتسال ، أو طهارة من الحدث الأصغر بالوضوءِ ، ووردت عدة أحاديث تحذر من النوم على الجنابة بلا اغتسال أو وضوء .

فضل النوم على طهارة:

يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-: عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “من بات طاهرًا بات في شِعارِه مَلَكٌ، فلا يستيقظُ من ليل إلا قال المَلَكُ: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهرًا” (رواه البزار والطبراني في الكبير) والشعار: الثوب على الجسد ، ومعنى الحديث أن من بات على طهارةٍ لازَمَه في نومه مَلَكٌ يحرُسه ويقوم على رعايته ويستغفر له كلما تَنبَّهَ من نومه، تحقيقًا لبركة الطهارة وتكريمًا للمتطهرين.

فضل الطهارة والصلاة:

وقد ندب سبحانه وتعالى المؤمنين إلى الطهارة وحثهم عليها وجعلها شرطا للصلاة ولا تصح إلا بها ولا تتم بدونها، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6

وفي حديث جامع يرويه الإمام مسلم بسنده، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الطُّهورُ شطرُ الإيمان” أي تنظيفُ الأعضاء الحسية بالماء، وتنظيفُ السلوك والأفعال الخارجية للإنسان بما يتفق مع الدين، نصفُ الإيمان ، أما النصف الآخر فهو النوايا الطيبة والمشاعر الكريمة والطهارة الداخلية التي هي أساس السلوك.

وعن عمرِو بن عَبَسة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلمٍ يَبِيتُ على طُهرٍ ثم يَتعَارُّ من الليلِ فيذكُرُ اللهَ ويسألُ اللهَ خيرًا من خيرِ الدنيا والآخرةِ إلا آتاه اللهُ إياه” (رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن، مجمع الزوائد 1/ 223).

وهذه الطهارة إما طهارة من الجنابة بالاغتسال، أو طهارة من الحدث الأصغر ـ ما يَنتقضُ الوضوءَ ـ بالوضوءِ..ولكن البرد قد يكون شديدًا، وقد يتكاسل الإنسان عن الطهارة، فماذا يكون الجزاء؟

حكم التكاسل عن الطهارة بسبب البرد:

وردت عدة أحاديث تحذر من البقاء على الجنابة بلا اغتسال أو التباطؤ في تحقيق الطهارة، فعن عمار بن ياسر، رضي الله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إن الملائكة لا تَحضُرُ جنازة الكافر بخير” أي مُنكِرَ الجَميل “ولا المُتضمِّخِ” أي المتلطِّخَ “بزعفران ولا الجنب”. وروَى البزار بسند صحيح عن ابن عباس قال: ثلاثة لا تَقرَبُهم الملائكةُ: الجُنُبُ، والسكرانُ، والمتضمِّخُ بالخَلُوق. أي ما فيه صُفرة من الطِّيب، وهو مثل الزعفران.

والسبب في ذلك أن الجنابة تمنع من الصلاة ـ كما ذكرنا ـ وتمنع من قراءة القرآن، وتمنع من إقبال الملائكة، حيث تجذبُهم الطهارةُ والروائحُ الطيبة وتُبعدُهم النجاساتُ والأقذارُ ، ولكن الدين يسر، وما جعل الله على الناس فيه من حرج، وربما لا يَتيسر الغسلُ بالليل لتَعَبِ أو برد أو نحو ذلك، فما هو موقف الدين حينئذ؟

لقد خفَّف الله عنا وأباح لنا النوم على وضوء بدلاً من الغسل، عن شداد بن أوس الصحابي، رضي الله عنه، قال: “إذا أجنَبَ أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ؛ فإنه نصفُ غُسل الجنابة” ، ولكن لابد للإنسان من التطهر قبل شروق الشمس؛ وذلك من أجل صلاة الصبح.

ونخلُصُ من ذلك إلى أن غُسل الجنابة مطلوب، ويتأكد طلبُه عند حلول وقت الصلاة، ويستحب عند النوم جَلْبًا للملائكة وطردًا لكل المؤذيات ، والمسلم إذا صار جنبًا لا يصير بذلك نجسًا، لقد قطع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الوهم ـ فيما رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَقِيَه في بعض طرق المدينة فانخَنَسَ ـ أي تَهَرَّبَ منه ـ فذهب فاغتسل ثم جاء، فقال: “أين كنت يا أبا هريرة؟” قال: كنت جنبًا فكَرِهتُ أن أجالسَك وأنا على غير طهارة. فقال صلى الله عليه وسلم: “سبحان الله، إن المسلمَ لا يَنجُسُ” .

إن الطهارة نور لمن أراد النور، وكمال لمن ينشُد الكمال، وسبب لجلب البركات والخيرات لكل من داوم عليها. وإذا ما حضر وقت الصلاة تأكد الأمر بها وحرُم تأخيرها؛ إذ إن هذا التأخير سوف يخرُجُ بالصلاة عن وقتها، وما أدَّى إلى الحرام فهو حرام.

وبعد، فلو لم تكن الطهارة دينًا لكانت دُنيا، والتنظفُ بعد الجماع بالوضوء مما دعا إليه الطبُّ وحذَّر من التكاسل عنه أو التهاونِ فيه. وعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن عمر استَفتَى النبي صلى الله عليه وسلم: هل ينام أحدنا وهو جنب؟ قال: “نعم، لِيَتَوضأْ ثمَّ لْيَنَمْ حتى يَغتسلَ، إذا شاء.