المباهلة: مُفَاعَلَة بين فريقين متناظرين ومتحاجين في أمر يختلفان فيه، يبتهل أي يتضرع كل منهما إلى الله، سبحانه وتعالى، أن يجعل لعنته على الكاذب منهما.
وفي المباهلة نزلت آيات سورة آل عمران (59-61): [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
وسبب ومناسبة نزول آيات المباهلة هذه ما حدث من وفد نصارى نجران، الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة 9هـ سنة 630م – مع رؤسائهم “السيد الأيهم”، “العاقب عبد المسيح” و”ابن الحارث” ففي الحوار الذي دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لهم الرسول:
– إن عيسى عبد الله وكلمته.
-فقالوا:أرنا عبداً خلق من غير أب.
فقال لهم الرسول: آدم، من كان أبوه؟ أعجبتم من عيسى ليس له أب؟ فآدم عليه السلام ليس له أب ولا أم.

فنزلت الآيات تدعوهم –إن لم يصدقوا- إلى المناظرة- بحضور أبناء ونساء الفريقين-متضرعين إلى الله أن ينزل اللعنة على الفريق الكاذب.
لكنهم خافوا على أنفسهم من تنفيذ المباهلة، لما علموا من صدق نبوة ورسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، حتى قال بعضهم لبعض “إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارًا”.
فعادوا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يسألونه بديلاً عن المباهلة وعن الإسلام، وقالوا:
– أما تعرض علينا سوى هذا؟
– فقال: الإسلام أو الجزية أو الحرب.
-فعاهدوه –مقابلة حرية عقيدتهم وحمايتهم كجزء من رعية الدولة الإسلامية- على جزية مقدارها ألف حُلَّة –ثياب- تؤدى في شهر صفر، وألف حُلَّة أخرى تُؤدى في شهر رجب.

وبذلك تكون المباهلة قد وقفت عند حد التحدي بها، ولم تتم، لأنهم خافوا عاقبتها، واختاروا الصلح والمعاهدة التي دخلوا بها في رعية الدولة الإسلامية وحمايتها، مع الاحتفاظ بحريتهم الدينية وعقيدتهم النصرانية.

وظاهر الآيات القرآنية ينفي المرويات الرائجة التي تقول أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد اختار فريقه للمباهلة: علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين رضي الله عنهم “لأن كلمة [نساءنا] -كما يقول الإمام محمد عبده [1265-1323هـ 1849-1905م]- لا يقولها العربي يريد بها ابنته، لا سيما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغة العرب، وأبعد من ذلك أن يراد بـ[أنفسنا]- عندما ينطقها النبي، على بن أبي طالب”.

فما تطلبه الآيات هو اجتماع الفريقين للمناظرة والمحاججة والمجادلة، بحضور جماهير الفريقين رجالاً ونساء وأطفالا، ويبتهلوا إلى الله بأن يلعن الكاذب منهما.
ويؤكد أن هذه المباهلة لم تتم، أن وفد نجران –يؤمئذ- لم يكن معهم أحد من النساء والأبناء.

ولأن هذه المباهلة هي سبيل من سبل المناظرة والمحاججة بين أهل الحق وأهل الباطل، ولخلو الآيات مما يفيد قصرها على النبي صلى الله عليه وسلم، أو على زمنه، فإنها تشريع إسلامي خالد، تستدعيه المقاصد المرجوة من ورائها، والمصالح المعلقة عليها.. ولذلك، قال الإمام ابن عابدين [1198-1252هـ 1784-1836م]: “إن المباهلة، بمعنى الملاعنة، مشروعة في زماننا”.. ولذلك، فمن المشروع والوارد أن تكون المباهلة من أساليب وآليات المناظرة والمحاججة مع المخالفين والمعاندين.. أي أن تتم المناظرة، ويقدم الفرقاء المختلفون ما لدى كل منهم من الحجج والبراهين والبينات، ثم يبتهلون إلى الله، سبحانه وتعالى، أن يجعل اللعنة على الكاذبين..

وإذا كان التاريخ الإسلامي قد شهد العديد والعديد من المناظرات بين علماء الإسلام وبين نفر من أهل الكتاب، فلا تحضرنا وقائع تاريخية –قديمة أو حديثة- اتخذت فيها هذه المناظرات صورة المباهلة التي نزلت بها هذه الآيات من القرآن الكريم.