إن الواجب على كل مسلم أن يتعلَّم من اللغة العربية ما يؤدي به عبادته على وجهها الصحيح، كقراءة الفاتحة في الصلاة مثلاً، ما دام ذلك مُمكنًا، كما ينبغي أن يعرف منها أكثر ليستطيع فهم الدين بسهولة عند قراءته في المصحف واطلاعه على الأحاديث النبوية وغيرها من الكتب المؤلفة باللغة العربية.
ومع هذا لابد أن يكون في المسلمين من يعرف اللغات الأجنبية لحاجة الدعوة إليها بوجه خاص، وإلى إمكان التعايش مع العالم الذي لا غِني عن التعايش معه. ولا يوجد نص يمنع ذلك، بل يُوجد ما يدعو إليه ويُؤكده. قال البخاري عن زيد بن ثابت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره أن يتعلَّم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه.
وقال أبو جمرة: كنت أترجم بين ابن عباس والناس، وقال بعض الناس: لابد للحاكم من مُترجمين.
لقد أعجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزيد حين قدم المدينة؛ لأنه يحفظ كثيرًا من القرآن وقال له “تعلَّم كتاب يهود، فإني ما آمن من يهود على كتابي” فتعلم ذلك في نصف شهر حتى كتب له إلى يهود، وقرأ له إذا كتبوا إليه.
وروى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح أن مدة التعلم كانت خمس عشرة ليلة، كما جاء في بعض الروايات أنها كانت سبعة عشر يومًا، وذلك لا يهمنا، والمهم أن زيدًا تعلَّم العِبرية أو السريانية بأمر من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحاجة إلى ذلك، وقد تحدث العلماء عن إجادة اللغة وصِحة الترجمة ليكون مَوثوقًا بها كالشهادة في الأحكام والقضايا، وهذا يؤكد أن إجادة اللغة ومعرفة أسرارها أمر مشروع، والمُشْتغل به مشتغل بعلم له قدره وثوابه ما دام القصد طيبًا، والاستعمال مشروعًا، ويعجبني في هذا المقام ما نُسب إلى الشافعي أو إلى الصفدي من قوله:
بقدر لغـــات المــــــرء يكثر نفعـه
وهن لــــه عند الشدائــــد أعـوان
فبادر إلى حفظ اللغات مسارعًا
فكل لسانٍ في الحقيقـــة إنسان