هذا الأمر لا يتصور إلا في حالة الوسوسة ، ومن كان في مثل هذه الحالة فلا يلتفت إلى ما يعرض له؛ وهذا من التيسير الذي اختصت به شريعتنا.
وأما إذا كان الفاصل حقيقيا دون وسواس، فإذا كان الفاصل بحرفين فإن الصلاة تبطل على ما ذهب إليه الجمهور ، ولا تبطل فيما دون الحرفين.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :-
ذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة – إلى أنّ الكلام المبطل للصّلاة ما انتظم منه حرفان فصاعداً ، لأنّ الحرفين يكونان كلمةً كأب وأخ ، وكذلك الأفعال والحروف ، ولا تنتظم كلمة في أقلّ من حرفين ، قال الخطيب الشّربينيّ : الحرفان من جنس الكلام ، لأنّ أقلّ ما يبنى عليه الكلام حرفان للابتداء والوقف ، أو حرف مفهم نحو « ق » من الوقاية ، و « ع » من الوعي و « ف » من الوفاء ، وزاد الشّافعيّة مَدََّةً بعد حرف وإن لم يفهم نحو « آ » لأنّ الممدود في الحقيقة حرفان وهذا على الأصحّ عندهم . ومقابل الأصحّ أنّها لا تبطل ، لأنّ المدّة قد تتّفق لإشباع الحركة ولا تعدّ حرفاً .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الكلام المبطل للصّلاة هو حرف أو صوت ساذج ، سواء صدر من المصلّي بالاختيار أم بالإكراه ، وسواء وجب عليه هذا الصّوت كإنقاذ أعمى أو لم يجب ، واستثنوا من ذلك الكلام لإصلاح الصّلاة فلا تبطل به إلاّ إذا كان كثيراً ، وكذا استثنوا الكلام حالة السّهو، إلا إذا كان كثيراً فإنّه تبطل به الصّلاة أيضاً .
ولم يفرّق الحنفيّة في بطلان الصّلاة بالكلام بين أن يكون المصلّي ناسياً أو نائماً أو جاهلاً ، أو مخطئاً أو مُكرهاً ، فتبطل الصّلاة بكلام هؤلاء جميعاً . قالوا : وأمّا حديث : « إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » . فمحمول على رفع الإثم، واستثنوا من ذلك السّلام ساهياً للتّحليل قبل إتمامها على ظنّ إكمالها فلا يفسد ، وأمّا إن كان عمداً فإنّه مفسد، وكذا نصّوا على بطلان الصّلاة بالسّلام على إنسان للتّحيّة ، وإن لم يقل : عليكم ، ولو كان ساهياً، وبردّ السّلام بلسانه أيضاً .
وذهب الشّافعيّة إلى عدم بطلان الصّلاة بكلام النّاسي ، والجاهل بالتّحريم إن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء ، ومن سبق لسانه ،إن كان الكلام يسيراً عرفاً ، فيعذر به، واستدلّوا للنّاسي بما روى أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: «صلّى بنا رسول اللّه ﷺ الظّهر أو العصر فسلّم من ركعتين ، ثمّ أتى خشبة المسجد واتّكأ عليها كأنّه غضبان، فقال له ذو اليدين : أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال لأصحابه : أحقّ ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : نعم . فصلّى ركعتين أخريين ثمّ سجد سجدتين» .
ووجه الدّلالة : أنّه تكلّم معتقداً أنّه ليس في الصّلاة ، وهم تكلّموا مجوّزين النّسخ ثمّ بنى هو وهم عليها، ولا يعذر في كثير الكلام ، لأنّه يقطع نظم الصّلاة وهيئتها ، والقليل يحتمل لقلّته ولأنّ السّبق والنّسيان في كثير نادر، قال الخطيب الشّربينيّ : ومرجع القليل والكثير إلى العرف على الأصحّ، وأمّا المكره على الكلام فإنّه تبطل صلاته على الأظهر ولو كان كلامه يسيراً ، ومقابل الأظهر لا تبطل كالنّاسي، وأمّا إن كان كلامه كثيراً فتبطل به جزماً .
وذهب الحنابلة إلى بطلان الصّلاة بكلام السّاهي والمكره ، وبالكلام لمصلحة الصّلاة ، والكلام لتحذير نحو ضرير . ولا تبطل عندهم بكلام النّائم إذا كان النّوم يسيراً ، فإذا نام المصلّي قائماً أو جالساً ، فتكلّم فلا تبطل صلاته ، وكذا إذا سبق الكلام على لسانه حال القراءة فلا تبطل صلاته ، لأنّه مغلوب عليه فأشبه ما لو غلط في القراءة فأتى بكلمة من غيره .
وقال ابن قدامة : إن تكلّم ظانّاً أنّ صلاته تمّت ،فإن كان سلاماً لم تبطل الصّلاة رواية واحدة، وكذا إن تكلّم بشيء ممّا تكمل به الصّلاة، أو شيء من شأن الصّلاة مثل كلام النّبيّ ﷺ ذا اليدين لم تفسد صلاته، وإن تكلم بشيء من غير أمر الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء فصلاته باطلة.