مسألة ترقيع غشاء البكارة :

يقول الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الشنقيطي الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: هذه المسألة تعتبر من المسائل النازلة في هذا العصر,وكانت من ضمن المواضيع التي بحثت في ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية المنعقدة في الكويت في عام1407 ه ,وكتب فيها فضيلة الشيخ عزالدين الخطيب التميمي بحثًا خلص فيه إلى القول بالتحريم ،كما كتب الدكتور محمد نعيم ياسين بحثا خلص فيه إلى القول بالتفصيل في حكم هذه المسألة ولهذا فإنه من المناسب ذكر كلا القولين ، مع أدلتهما ,ثم بعد ذلك أذكر ما يترجح في نظري منهما سائلاً الله عزوجل أن يمدني بالعون والتوفيق للصواب .

هناك قولين في رتق غشاء البكارة :

القول الأول : لا يجوز رتق غشاء البكارة مطلقًا .(( الشيخ عزالدين الخطيب التميمي )).
القول الثاني: التفصيل :

1- إذا كان سبب التمزق حادثة أو فعلاً لا يعتبر في الشرع معصية ، و ليس وطئاً في عقد نكاح ينظر :
أ – فأن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتًا و ظلمًا بسبب الأعراف ، و التقاليد كان إجراؤه واجبًا .
ب – و إن لم يغلب على ظن الطبيب كان إجراؤه مندوبًا.

2- إذا كان سبب التمزق وطئاً في عقد نكاح كما في المطلقة ، أو كان بسبب زنى اشتهر بين الناس فإنه يحرم عليه إجراؤه.

3- إذا كان سبب التمزق زنى لم يشتهر بين الناس كان الطبيب مخيراً بين إجرائه وعدم إجرائه ، و إجراؤه أولى (( الدكتور محمد نعيم ياسين )) .

تحديد محل الخلاف:
ينحصر محل الخلاف بين القولين في الحالة الأولى والثالثة ، أما في الحالة الثانية فإنهما متفقان على تحريم الرتق .

أدلة من قال بجواز رتق غشاء البكارة مطلقا :

الأدلة :1 – دليل القول الأول : ” لا يجوز مطلقًا” :

أولا : أن رتق غشاء البكارة قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، فقد تحمل المرأة من الجماع السابق ، ثم تتزوج بعد رتق بكارتها ، وهذا يؤدي إلى إلحاق ذلك الحمل بالزوج و اختلاط الحلال بالحرام.

ثانيا: أن رتق غشاء البكارة فيه اطلاع على المنكر .

ثالثا: أن رتق غشاء البكارة يسهل للفتيات ارتكاب جريمة الزنى لعلمهن بإمكان رتق غشاء البكارة بعد الجماع .

رابعا: أنه إذا اجتمعت المصالح و المفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح و درء المفاسد فعلنا ذلك ، و إن تعذر الدرء و التحصيل ، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة كما قرر فقهاء الإسلام .و تطبيقًا لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة و ما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم جواز الرتق لعظيم المفاسد المترتبة عليه .

خامساً: أن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر لا يزال بالضرر و من فروع هذه القاعدة (( لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره)) و مثل هذا لا يجوز للفتاة و أمها أن يزيلا الضرر عنهما برتق غشاء البكارة و يلحقانه بالزوج.

سادسا: أن مبدأ رتق غشاء البكارة مبدأ غير شرعي لأنه نوع من الغش ، والغش محرم شرعاً.

سابعا: أن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات و أهليهن لإخفاء حقيقة السبب ، و الكذب محرم شرعاً.

ثامنا: أن رتق غشاء البكارة يفتح الباب للأطباء أن يلجأوا إلى إجراء عمليات الإجهاض ، و إسقاط الأجنة بحجة الستر .
(( ذكر هذه الأوجه فضيلة الشيخ عزالدين الخطيب في بحثه : غشاء البكارة من منظور إسلامي ، من بحوث ندوة الرؤية الإسلامية ثبت الندوة 571-573.

أدلة من قال بجواز رتق غشاء البكارة في بعض الحالات :

2- دليل القول الثاني : “” التفصيل”” :
أولا: أن النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستر و ندبه، و رتق غشاء البكارة معين على تحقيق ذلك في الأحوال التي حكمنا بجواز فعله فيها.
ثانياً: أن المرأة بريئة من الفاحشة فإذا أجزنا له فعل جراحة الرتق قفلنا باب سوء الظن فيها فيكون ذلك دفعاً للظلم عنها .

ثالثا: أن رتق غشاء البكارة يعين على تحقق المساواة بين الرجل والمرأة فكما أن الرجل مهما فعل الفاحشة لا يترتب على فعله أي أثر مادي في جسده و لا يثور حوله أي شك فكذلك ينبغي أن تكون المرأة و تحقيق العدل بينهما مقصد شرعي إلا في الأحوال المستثناة بدليل شرعي و ليست هذه الحالة منها .

رابعاً: أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء هذه القرينة الوهمية في دلالتها على الفاحشة له أثر تربوي عام في المجتمع و خاصة فيما يتعلق بنفسية الفتاة .

خامساً: أن مفسدة الغش في رتق البكارة ليست موجودة في الأحوال التي حكمنا فيها .(( ذكر هذه الأوجه الدكتور محمد نعيم ياسين في بحثه : رتق غشاء البكارة في ميزان المقاصد الشرعية من بحوث ندوة الرؤية الإسلامية . ثبت الندوة 579-583.

القول الراجح في رتق غشاء البكارة :

الذي يترجح و العلم عند الله هو القول بعدم جواز رتق غشاء البكارة مطلقًا و ذلك لما يأتي : أولاً : لصحة ما ذكره أصحاب القول الأول في استدلالهم .
ثانيا: استدلال أصحاب القول الثاني يجاب عنه بما يلي:

الجواب عن الوجه الأول:
أن الستر المطلوب هو الذي شهدت النصوص باعتبار وسيلته و رتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة و فتح باب الفساد.
الجواب عن الوجه الثاني:
أن قفل باب سوء الظن يمكن تحقيقه عن طريق الإخبار قبل الزواج فإن رضي بالمرأة وإلا عوضها الله غيره.

الجواب عن الوجه الثالث:
أن التعليل بمساواة المرأة على هذا الوجه فاسد و التفاوت بين الرجل و المرأة في خفاء الجريمة على الوجه المذكور فطرة إلهية فيكون التعليل بالمساواة على هذا الوجه فيه نوع من التهمة بعدم العدل بين الجنسين . و الفطرة الموجبة للاختلاف سوية معتدلة لا تحتاج إلى استدراك و تقويم كما قال تعالى (( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ))
الجواب عن الوجه الرابع :
أن المفسدة المذكورة لا تزول بالكلية بعملية الرتق لاحتمال اطلاعه على ذلك و لو عن طريق إخبار الغير له ، ثم إن هذه المفسدة تقع عند تزويج المرأة بدون إخبار زوجها بزوال بكارتها و المنبغى إخباره فإن أقدم زالت تلك المفسدة و كذلك الحال لو أحجم .

الجواب عن الوجه الخامس:
ان هذا الإخفاء كما أن له هذه المصلحة كذلك تترتب عليه مفاسد و منها تسهيل السبيل لفعل فاحشة الزنى و درء المفسدة أولى من جلب المصلحة.

الجواب عن الوجه السادس:
أننا لا نسلم انتفاء الغش لأن هذه البكارة مستحدثة ، و ليست هي البكارة الأصلية ، فلو سلمنا أن غش الزوج منتفٍ في حال زوالها بالقفز و نحوه مما يوجب زوال البكارة طبيعة ، فإننا لا نسلم أن غشه منتفٍ في حال زوالها باعتداء عليها.

ثالثا: أن سد الذريعة الذي اعتبره أصحاب القول الأول أمر مهم جدًا خاصة فيما يعود إلى انتهاك حرمة الفروج ، و الأبضاع و المفسدة لاشك مترتبة على القول بجواز رتق عشاء البكارة .

رابعاً: أن الأصل يقتضي حرمة كشف العورة و لمسها و النظر إليها ، و الأعذار التي ذكرها أصحاب القول الثاني ليست بقوية إلى درجة يمكن فيها الحكم باستثناء عملية الرتق من ذلك الأصل فوجب البقاء عليه بحرمة جراحة الرتق .

خامساً أن مفسدة التهمة يمكن إزالتها عن طريق شهادة طبية بعد الحادثة تثبت براءة المرأة وهذا السبيل هو أمثل السبل ، وعن طريقه تزول الحاجة إلى فعل جراحة الرتق .
و لهذا كله فإنه لا يجوز للطبيب و لا للمرأة فعل هذا النوع من الجراحة .