القرض إعطاء شيء للغير يستفيد به ليردَّه أو يرد مثله إليه، وهو أمر مشروع داخل في مضمون التعاون على البِرِّ، بل مندوب إليه ومرغّب فيه؛ لأن الغالب فيه أن يكون من حاجة، وحديث مسلم يقول: “من نفَّس عن مؤمن كُربة من كُرَب الدُّنيا نفس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسِر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عَون أخيه” وفي حديث يقبل في فضائل الأعمال رواه ابن ماجه عن أنس: “الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر” والله سبحانه يقول (مَن ذا الذِي يُقرِض الله قرضًا حسنًا فيُضاعِفَه له أضعافًا كثيرةً) (سورة البقرة : 245).
وقال ابن مسعود: ما من مسلم يُقرض مسلمًا قرضًا مرّتين إلا كان كصدقتها مرّةً. رواه ابن ماجه مرفوعًا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، والصواب أنه موقوف على ابن مسعود “نيل الأوطار ج5 ص243”.
والقرض يكون من النقود ومن الأطعمة وكل ما له مثل، كما يكون من الحيوانات، على رأي الجمهور، فقد استقرض رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ جملاً، وأعطى صاحبه أحسن منه، كما رواه مسلم وغيره وقال: “خيركم أحسنُكم قضاءً” ومنع أبو حنيفة قرض الحيوان.
والواجب على المقترِض ردُّ القرض بدون زيادة عليه، فقد أجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلّى الله عليه وسلم أنَّ اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كانت قبضةً من علف ـ كما قال ابن مسعود ـ أو حبّة واحدة، ويجوز أن يرد أفضل ممّا يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال، كما رواه البخاري ومسلم: “إنّ خيركم أحسنكم قضاءً.
وإهداء المقترض إلى المقرض ورد فيه حديث ابن ماجه: “إذا أقرض أحدُكم أخاه قرضًا فأهدى له أو حمله على دابّته فلا يقبلها ولا يركبها، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك” وهو حديث ضعيف، ووَردَ في تاريخ البخاري حديث: “إذا أقرض فلا يأخذ هدية” وجاء في صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام قال لأبي بردة بن أبي موسى لما قدِم المدينة: إنك بأرض فيها الرّبا فاشٍ، فإن كان لك على رجل حقّ فأهدى إليك حمل تِبن أو حمل شعير أو حمل قتّ فلا تأخذه فإنه ربا. والقتّ هو الدّريس أو البرسيم المجفّف.
إزاءَ هذه المأثورات قال جمهور العلماء: يجوز رد القرض بما هو أفضل منه إذا لم يكن ذلك مشروطًا في العقد، وقال المالكية: إذا كانت الزيادة بالعدد لم يجُز، كردِّ الواحد اثنين، وإن كانت بالوصف جازت، كردِّ الحيوان الكبير بدل الصغير.
ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين أن تجوز الهدية ونحوها قبل القضاء؛ لأنها بمنزلة رشوة. يقول الشوكاني “نيل الأوطار ج5 ص246”: والحاصل أن الهدية والعاريّة ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس في أجل الدّين، أو لأجل رشوة صاحب الدين، أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرّم؛ لأنّه نوع من الربا أو الرشوة، وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرِض قبل التدايُن فلا بأس، وإن لم يكن ذلك لغرض أصلاً فالظاهر المنع، لإطلاق النهي عن ذلك. وأما الزيادة على مقدار الدَّين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير، بل هو مستحَبّ كما قال الشافعيّة لحديث: “إن خيركم أحسنُكم قضاء”.
ثم يقول الشوكاني بعد ذلك : ممّا يدل على عدم حِلِّ القرض الذي يجرُّ إلى المقرض نفعًا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفًا بلفظ: “كلُّ قَرض جرَّ منفعة فهو وجه من وجوه الرّبا” ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم، ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث على عليه السلام بلفظ: إن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ نهى عن قرض جرّ منفعة وفي رواية: كل قرض جَرَّ منفعة فهو ربا. وفي إسناده سوار بن مصعب، وهو متروك قال عمر بن زيد في المغني: لم يصح فيه شيء، ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا: إنه صحّ، ولا خبرة لهما بهذا الفن. انتهى.
يؤخَذ من هذا أنَّ ” كل قرض جر نفعا فهو ربا “ليس حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا مانع من الأخذ به ما دامت تتّفق دَلالته مع ما ورد من القرآن في تحريم الرِّبا، وعمل الصحابة وفتوى الفقهاء تؤيِّده.
وأما الحكم فخلاصته: إن كان النفع مشروطًا فهو رِبا، وإلا فهو جائز، ومثل الشرط العُرف؛ لقاعدة: المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا. والهدايا إن كانت من أجل القَرض فهي حرام، وإلا فهي جائزة.