مسألة إقراض مال الزكاة مسألة خلافية بين العلماء منهم من قال بالجواز، ومنهم من منع نظرا إلى أن مال الزكاة ملك للمستحقين، وإقراض مال الزكاة يجعل هذا المال لا يقع في أيدي مستحقيها ويمكن إعطاء الطلبة من سهم الغارمين أو إنشاء هذا الصندوق من أموال الصدقات التطوعية.

يقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه بجامعة القدس بفلسطين :

إن الله سبحانه وتعالى بين لنا مصارف الزكاة فقال جل جلاله :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة الآية 60 .

فهذه الآية الكريمة حصرت مصارف الزكاة في المصارف الثمانية ويدل على ذلك قوله تعالى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ) ولفظة ( إنما ) تقتضي حصر الزكاة في المصارف الثمانية ثم إن الله سبحانه وتعالى أضاف الصدقات للفقراء باللام التي تدل على التمليك ثم عطف بقية الأصناف على الفقراء ، قال أبو إسحق الشيرازي بعد أن ذكر آية مصارف الزكاة :[ فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم ] المهذب مع شرحه المجموع 6/185 .

وقد اختلف أهل العلم في اشتراط تمليك الزكاة للأصناف الثمانية ، فمن العلماء من قال إن التمليك شرط في الأصناف الثمانية . وجمهور العلماء على أن التمليك شرط في الأصناف الأربعة الأولى وهم الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم .

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ وأربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة . فمتى أخذوها ملكوها ملكاً دائماً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال وأربعة منهم وهم : الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل . فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً . فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم . والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها : أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين ] المغني 2/500 .

وقال الخطيب الشربيني : [ وأضاف في الآية الكريمة الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخير – كذا والصواب الأخيرة – بفي الظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأربعة الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى … ] مغني المحتاج 4/173

وقال الألوسي : [ والعدول عن اللام إلى ( في ) في الأربعة الأخيرة على ما قاله الزمخشري للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق الصدقة ممن سبق ذكره لما أن ( في ) للظرفية المنبئة عن إحاطتهم بها وكونهم محلها ومركزها وعليه فاللام لمجرد الاختصاص ، وفي الانتصاف أن ثم سراً آخر هو أظهر وأقرب وذلك أن الأصناف الأوائل ملاك لما عساه أن يدفع إليهم وإنما يأخذونه تملكاً فكان دخول اللام لائقاً بهم وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون لما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن يصرف في مصالح تتعلق بهم فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون أو البائعون فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بملكهم لما يصرف نحوهم وإنما هم محال لهذا الصرف ولمصالحه المتعلقة به ، وكذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم ، وأما في سبيل الله فواضح فيه ذلك ، وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجاً في سبيل الله وإنما أفرد بالذكر تنبيهاً على خصوصيته مع أنه مجرد من الحرفين جميعاً ] روح المعاني 5/314 .

وجاء في توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت سنة 1413هـ ما يلي :[ التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ … )شرط في إجزاء الزكاة والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة إنتاج كآلات الحرفة وأدوات الصنعة وتمليكها للمستحق القادر على العمل ] أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/886 .

وأخيراً لا بد أن نذكر أن بعض العلماء المعاصرين ذهبوا إلى جواز إقراض مال الزكاة ، قال الدكتور يوسف القرضاوي :[ بقي هنا بحث نتم به الحديث عن هذا المصرف وهو إعطاء القروض الحسنة من الزكاة هل يجوز ذلك قياساً للمستقرضين على الغارمين ؟ أم نقف عند حرفية النص ولا نجيز ذلك بناء على أن الغارمين هم الذين استدانوا بالفعل ، أعتقد أن القياس الصحيح والمقاصد العامة للإسلام في باب الزكاة تجيز لنا القول بإقراض المحتاجين من سهم الغارمين على أن ينظم ذلك وينشأ له صندوق خاص . وبذلك تساهم الزكاة مساهمة عملية في محاربة الربا والقضاء على الفوائد الربوية .وهذا ما ذهب إليه الأستاذ : أبو زهرة في بحثه عن الزكاة معللا ذلك بأنه إذا كانت الديون العادلة تؤدي من مال الزكاة فأولى أن تعطى منه القروض الحسنة الخالية من الربا لترد إلى بيت المال فجعلوه من قياس الأولى ] فقه الزكاة 2/634 .

ويمكن إيجاد حل آخر لمسألة القروض بأن ينشأ صندوق للإقراض من أموال الصدقات الأخرى غير الزكاة على أن يخبر المتبرعون لهذا الصندوق بأن ما سيتبرعون به سيوضع في صندوق للقروض الحسنة ويجعل له نظام واضح ويبين فيه مآل هذه الأموال مستقبلاً إن انتهى عمل الصندوق .