كان الفقه الإسلامي منذ نشأته متميزا عن غيره،وقد كانت له مراحل عديدة ،وكان لكل مرحلة سماتها المميزة ،التي تشهد باستقلالية الفقه الإسلامي عن غيره.

وقد جاء في ا لموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة أوقاف الكويت:
قد مر بالفقه الإسلامي أطوار متعددة يتداخل بعضها في بعض ، ويؤثر المتقدم فيها بالمتأخر ، ولا نستطيع أن نقول : إن هذه الأطوار متميزة من حيث الزمن تمييزا دقيقا ، اللهم إلا الطور الأول وهو عصر النبوة ، فإنه متميز عما بعده بكل دقة ، بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى .

الطور الأول : ( عصر النبوة ) :
وهو في عهديه المكي والمدني يعتمد كل الاعتماد على الوحي ، حتى إن المسائل التي اجتهد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اجتهد فيها أصحابه في حضرته أو غيبته ثم علمها فأقرها أو أنكرها تعتمد – كذلك – على الوحي ، لأن الله سبحانه وتعالى إن أقر هذا الاجتهاد فهو تشريع بطريق الوحي ، وإن رده فالمعتمد على ما أقره الوحي من تشريع .

ومهما قيل في اجتهاده صلى الله عليه وسلم – نفيا وإثباتا – فإن الحق أنه قد اجتهد في بعض المسائل التي لم يكن فيها وحي ، فأحيانا يقره الله على هذا الاجتهاد ، وحينا بين له أن الأولى غير ما ذهب إليه . ومن هنا يتبين أن هذا العهد لم يتأثر بفقه أجنبي من هنا أو هناك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمي لم يجلس إلى معلم قط ، وقد نشأ في أمة أمية لا عهد لها بالقانون الروماني أو غيره .
نعم كانت هناك أعراف اصطلح عليها الناس ، فحينا نجد أن بعض هذه الأعراف قد أقرها الشارع ، وأحيانا نجد أن الشارع قد أبطل هذه الأعراف ، كعرف التبني وكعرف الظهار وبعض أنواع الأنكحة التي كانت معروفة عند العرب ، وكالربا فقد كان معروفا بينهم ، إلى غير ذلك ، ولا يستطيع أي إنسان – مهما كان مغاليا في عدائه للإسلام – أن يدعي أن التشريع في هذا العهد قد تأثر بغيره من تشريعات الأمم السابقة .

ولم يدون في هذا العهد إلا القرآن الكريم .
وقد نهي عن تدوين غيره خشية أن يختلط على الناس كلام الله بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم كما وقع للأمم السابقة ، حيث خلطوا بين كلام الله ورسلهم وأحبارهم ورهبانهم واعتبروها كلها كتبا مقدسة من عند الله ، ولكن أذن لبعض الصحابة أن يدونوا أحاديثه الشريفة ، كعبد الله بن عمرو بن العاص ، فقد كتب ما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى صحيفته هذه ب ” الصادقة ” ، وأذن لعلي كرم الله وجهه أن يكتب بعض المسائل التي تتصل بالدماء والديات .

وقد انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد أن مكث يبلغ رسالة ربه ثلاثا وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة بمكة ، كانت مهمته الأولى تثبيت العقيدة ، ما يتصل منها بالله سبحانه وتعالى أو التدليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو ما يتصل منها باليوم الآخر ، كما عني في هذا العهد بالدعوة إلى مكارم الأخلاق والنهي عن أمهات الرذائل ، وإذا كان في العهد المكي بعض الأحكام الفرعية كأحكام الذبائح فإن هذه الأحكام لها صلة بالتوحيد .

والعهد المدني هو ذلكم العهد الذي توالت فيه التشريعات العملية بكل ما تحمله هذه الكلمة . وإذا كان لنا أن نقول في هذا العهد شيئا فإننا نقرر أن دعاة الإصلاح على مدى الأزمان يضعون نظرياتهم ولا يعيشون ليروا ثمرة هذه النظريات ، ولكن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى تم التشريع ، وطبقه عمليا في أكثر الأمور ، سواء ما يتصل منه بالأسرة أو نظام الحكم أو المعاملات المدنية من بيع وشراء وأخذ وعطاء . وصدق الله تعالى إذ يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .