ورد تعريف الفسق والكفر لغة وشرعا والعلاقة بينهما في كتاب بيان للناس الصادر عن الأزهر.

وهذا ماورد عن هذين المصطلحين باختصار وتصرف:
الكفر في اللغة يعطي معنى الستر، ووُصف الليلُ بالكافر لأنه يستُر الأشخاص بظلامه، كما وُصف الزارعُ بالكافر لستره البذرَ في الأرض، قال تعالى: (كمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكفارَ نباتُه ثم يَهِيجُ فتَرَاه مُصفَرًّا ثم يكونُ حُطامًا) (الحديد: 20).
وهو في لسان الشرع يُطلَقُ على معنيَين: أحدهما كفر عقيدة، والآخر كفر عمل.
-فكفر العقيدة عدم الإيمان بما يجب الإيمان به؛ من وجود الله ووحدانيته وبما يجب له من صفات الكمال والجلال، وبالعقائد الأخرى.

-وكفر العمل جَحْدُ المعروف وعَدَمُ شكره، ومنه قوله تعالى: (فمن يَعمَلْ من الصالحاتِ وهو مؤمنٌ فلا كُفرانَ لِسَعْيهِ) (الأنبياء: 94) وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: “ورأيتَ النارَ فلم أَرَ كاليومِ مَنظرًا قَطُّ، ورأيتُ أكثرَ أهلها النساءَ” قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال “بكفرِهنَّ” قيل: أيَكفُرنَ بالله؟ قال: “يَكفُرنَ العَشيرَ ويَكفُرنَ الإحسانَ؛ لو أَحسَنتَ إلى إحداهنَّ الدهرَ ثم رأَتْ منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قَطُّ” (رواه مسلم).

أما معنى الفسوق فيوضحه قول الله تعالى(وكَرَّهَ إليكم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ) (الحجرات: 7) الفسوق هو الخروج عن حد الشرع، وذلك من قولهم: فسَق الرُّطَبُ إذا خرج عن قشره، وهو أعم من الكفر، لأن الكفر خروج عن حد الإيمان، أما الفسق فخروج عن الحدود أيًّا كانت، ومنها حدود التكاليف العملية لا الاعتقادية، والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير منها، لكن تُعُورِفَ فيما كان كثيرًا، وأكثر ما يقال “الفاسق” لمن التزم حكم الشرع وأقَرَّ به ثم أخَلَّ بجميع أحكامه أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصلي “فاسق” فلأنه أخَلَّ بحكم ما ألزَمه العقلُ واقتَضَته الفطرة، كما قال تعالى في إبليس: (ففَسَقَ عن أمرِ ربِّه) (الكهف: 50) وفي المُترَفين: (وإذا أرَدنا أن نُهلِكَ قريةً أمَرنا مُترَفيها ففَسَقوا فيها) (الإسراء: 16) وقال: (أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا) (السجدة: 18) أي كافرًا، وقال: (ومن كفَر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (النور: 55).

وقال الله تعالى في وصف المؤمن العاصي بغير الكفر بأنه فاسق: (والذين يَرمُون المُحصَناتِ ثم لم يأتوا بأربعةِ شهداءَ فاجلِدوهم ثمانين جلدةً ولا تَقبَلوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون) (النور: 4) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا يَسخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يَكُنَّ خيرًا منهنَّ ولا تَلمِزوا أنفسَكم ولا تَنَابَزُوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعد الإيمانِ ومن لم يَتُبْ فأولئك هم الظالمون) (الحجرات: 11)

فالفاسق أعم من الكافر، والظالم أعم من الفاسق؛ لأن الظلم يقع ولو بقليل من الذنوب، كما يحصل بالكفر الذي ليس فيه رفض لِمَا قبله والتزمه الإنسان من تكاليف، قال تعالى: (والكافرون هم الظالمون) (البقرة: 254) كما يلاحَظ في الظلم أن فيه إيذاءً للغير غالبًا وإن كان فيه إيذاءٌ للنفس، كما قال تعالى: (ومَن يَتَعَدَّ حدودَ اللهِ فقد ظَلَمَ نفسَه) (الطلاق: 1) وذلك لأنه قصَّر في حقها بعدم تكميلها وبتعريضها للعقاب.

قال تعالى في الظلم الواقع من الإنسان على غيره: (وإن تُبتم فلكم رءوسُ أموالِكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون) (البقرة: 279) وقال في شأن اليهود الذين لم يحكُموا بما في التوراة من قصاص عادل في الجرائم: (ومن لم يَحكُمْ بما أنزَل اللهُ فأولئك هم الظالمون)
(المائدة: 45)

وذلك إذا أخذوا نفسًا بغير نفس أو عينًا بغير عين أو بأكثرَ منها… الخ ما جاء في الآية. وقال عن أهل الإنجيل: (وَلْيَحكُمْ أهلُ الإنجيلِ بما أنزَل اللهُ فيه ومن لم يَحكُمْ بما أنزَل اللهُ فأولئك هم الفاسقون) (المائدة: 47)

فالفسق يكون بالكفر وبالمعاصي الأخرى، سواء منها ما تَعدَّى النفس وما لم يَتعدَّها، وقد عبَّر به إجمالاً بالنسبة إلى أهل الإنجيل بعد أن فصَّل نوع المخالفات التي حدثت من اليهود فجعل بعضها كفرًا وبعضها ظلمًا، لأنهم كانوا هم الكثرة في المدينة، ولأن التوراة فيها تشريعات مفصَّلة لم توجد في الإنجيل، ولأنهم كانوا كثيري الجدل ومثيري الفتنة ضد الدعوة الإسلامية.