هناك فرق بين الرؤيا والحلم، فالرؤيا الصادقة تتحقق كثيرا على أرض الواقع، وعرفها النبي-صلى الله عليه وسلم – بأنها جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة.

أما الأحلام فقد تكون من الشيطان، وهي نتيجة ما يجيش في عقل الإنسان من مشاكل الحياة.

وهناك فرق بين الموت الأبدي وبين النوم فالنوم موتة صغرى، يرتفع فيه ضوء النفس عن ظاهر البدن من بعض الوجوه دون باطنه، فتحدث الأحلام والرؤى.

وحول ذلك قال فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله تعالى:

يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “الرُّؤْيَا ثلاثة: فرؤيا صالحة بُشرى من الله، ورؤيا تَحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحدِّثُ المرء نفسه. والرؤيا هنا هي ما يراه الإنسان في نومه من أحلام، والحديث يفيد أن هناك رؤيا تأتي للرجل الطيب الصالح تبشيرًا له من الله ـ عز وجل ـ ولذلك روى البخاري: “الرؤيا الصالحة من الله”. وهناك رؤيا يكون فيها شيء يحزن صاحبها، وهذه من الشيطان، وقيل إن هذه الرؤيا هي التي تسمى بالحلم، ولذلك رَوَى الإمام البخاري: “الحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذْ وليبصقْ عن شماله، فإنها لا تضره”. وهناك رؤيا تكون من حديث النفس وهو أن يكون الشخص مهتمًا في نهاره بأمر من الأمور، فيرى في نومه ما يتعلق به.

وهناك من الرؤى ما يسمى “أضغاث الأحلام” كما جاء التعبير عن ذلك في القرآن الكريم في سورة يوسف، والمراد بأضغاث الأحلام هي الحزمة من النبات أو العيدان، وهذه الأضغاث هي كما جاء في تفسيره المنار الأحلام المختلطة من الخواطر والأخيلة التي يتصورها الدماغ في النوم فلا ترمي إلى غرض مقصود.

والحلم قد يكون واضح المعنى، كالأفكار التي تكون في اليقظة، وقد يكون ـ وهو الأكثر ـ مُشوشًا مضطربًا لا يفهم معنى، وهو الذي يشبه الأضغاث، فكأنه مؤلف من حِزَم مختلفة من العيدان والحشائش التي لا تناسب بينها.

والرؤيا الصادقة ضرْبٌ من إدراك نفس الإنسان أحيانًا لبعض الأشياء قبل وقوعها باستعدادها الفطري إما بعينها وهو قليل، وإما بمثال يدل عليها وهو المحتاج إلى التأويل. ولقد جاء في حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: “أصدقكم رؤيَا أصدقكمْ حديثًا” فإذا كان الشخص صادقًا في حديثه دائمًا. صدقت رؤياه كثيرًا، كأن نفسه قد انطبعت على قول الصدق مستيقظًا ونائمًا، ولذلك قيل: “منام الصادقين علم اليقين. وقد يرتبط هذا نوعًا من الارتباط بالحديث المتفق عليه الذي يقول: “رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة”.

وكذلك جاء في الحديث: “إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمَدِ الله وليتحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذْ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره”.

ولقد جاء في تفسيره الإمام الرازي أن الأحلام على قسمين، فقسم منها تكون الرؤيا فيه متسقة منظمة. فيسهل الانتقال من الأمور المتخيلة إلى الحقائق العقلية والروحانية، وقسم منها تكون الرؤيا فيه مختلطة مضطربة، ولا يكون فيها ترتيب معلوم، وهذا القسم هو المسمى بالأضغاث.

وأما قوله ـ تعالى ـ: (اللهُ يَتَوَّفَى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمَّى إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42). فمعنى ذلك أن الله ـ تعالى ـ يتوفى الأنفس عند الموت، ويتوفَّاها أيضًا عند النوم، أي يقبض أرواح الجميع إليه بصورة يعلم حقيقتها هو، ولكن وفاة الميت غير وفاة النائم، فوفاة الميت ممتدة إلى آخر عمر الدنيا، ولذلك يُمسك الله روح صاحبها عنده حتى البعث، ولكنه يرسل روح النائم، أي يعيدها إلى صاحبها فيستيقظ ويظل حيًّا حتى يأتي أجله المحدد له، وهذا لا يمنع أن تكون روح النائم في أثناء نومه جائلة هنا وهناك.

ولقد جاء في تفسير الإمام الرازي ما نصُّه: “النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحاني، إذا تعلق بالبدن حصل ضوء في جميع الأعضاء وهو الحياة، فنقول إنه في وقت النوم ينقطع عن ظاهر هذا البدن من بعض الوجوه، ولا ينقطع ضوءه عن باطن البدن، فثبت أن الموت والنوم من جنس واحد، إلا أن الموت انقطاع كامل، والنوم انقطاع ناقص، من بعض الوجوه، وإذا ثبت هذا ظهر أن القادر العالم الحكيم دبر تعلق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يقع ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه، وذلك هو اليقظة.

وثانيها: أن يرتفع ضوء النفس عن ظاهر البدن من بعض الوجوه دون باطنه، وذلك هو النوم.

وثالثها: أن يرتفع ضوء النفس عن البدن بالكلية، وهو الموت. فثبت أن الموت والنوم يشتركان في كون كل واحد منهما توفيًا للنفس.

ثم يمتاز أحدهما عن الآخر بخواص معينة في صفات معينة، ومثل هذا التدبير العجب لا يمكن صدوره إلا عن القادر العليم الحكيم، وهو المراد من قوله: (إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
وللأحلام بعد هذا علماؤها وكتبها، وموضوعها واسع متشعب، ويمكن لمن يريد الاتساع أن يعود إلى هذه المراجع.أ.هـ