إن كلا من الحمد والشكر يطلق على الآخر، ويستعمل كل منهما بمعنى الآخر .
غير أن الحمد يختلف عن الشكر ، فالحمد أخص من الشكر من جهة أنه قول فحسب ، وأن الشكر علم أو اعتقاد وقول وعمل .
ولذلك فالحمد سهل يقوله كل أحد ، والشكر عكسه لا يفعله القليل.

والشكر أخص من الحمد من جهة أن الحمد يشمل من أحسن إلى الحامد ـ أي المادح ـ ومن فعل خيرا غير الإحسان إليه، وأن الشكر يختص بمن تعدى خير هو إحسانه إلى الشاكر.
فيمكن مدح فاعل الخير أيا كان خيره ، ولا يمكن شكر إلا من أحسن إلى غيره.

ذكر الشيخ الصابوني في “مختصر تفسير ابن كثير” :
قال ابن جرير: جميع أهل المعرفة بلسان العرب يستعملون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر ، ولكنهم اختلفوا أيهما أعمّ الحمد أو الشكر على قولين.
والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً :
فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ، لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه ـ أي مدحته وأثنيت عليه ـ، والشكر خاص بالصفات المتعدية إلى الغير كالكرم فلا يقال شكرته لفروسيته وتقول شكرته على كرمه وإحسانه.
والشكر أعم من حيث ما يقعان به لأنه يكون بالقول والفعل والنية ، والحمد لا يكون إلا بالقول . هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم.
وقد قال تعالى : ( وقل الحمد لله ) ” سورة الإسراء: 111″ ، وقال : ( اعملوا آل داود شكرا ، وقليل من عبادي الشكور ) “سورة سبأ :13”.

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
والفرق بين الحمد والشكر : أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن , والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور , فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر , لأنه يكون على المحاسن والإحسان , فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى , وما خلقه في الآخرة والأولى , ولهذا قال : (الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ) . ” سورة الإسراء 111″ , وقال : ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ) . “سورة الأنعام :1″ , إلى غير ذلك من الآيات .
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام, فهو أخص من الحمد من هذا الوجه, لكنه يكون بالقلب واليد واللسان, ولهذا قال تعالى: ( اعملوا ءال داود شكراً ) ( سورة الأنعام , الآية : 1 ) , والحمد يكون بالقلب واللسان, فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه, والحمد أعم من جهة أسبابه .

وهذا الحمد هو ما قال عنه ربّ العزّة في وصف أهل الجنة: (وآخِرُ دَعواهُم أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين)”يونس : 10) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله» وقال الترمذي حسن غريب، وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ». أي أن إلهام الحمد وثوابه أفضل من النعمة الدنيوية ، لأنه من الباقيات الصالحات.

وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول : عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكان الحمد لله أفضل من ذلك» قال القرطبي وغيره أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لله لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى قال الله تعالى: {مُّقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَو’ةِ الدُّنْيَا وَالْبَـاقِيَاتُ الصَّـالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً }.

وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا ياربُّ إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله، وهو أعلم بما قال عبده، ماذا قال عبدي ؟ قالا يارب إنه قال: لك الحمد يارب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما «اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها» .
وعن جابر مرفوعاً «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله» رواه الترمذي وحسنه.
والألف واللام في (الحمد) لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله» الحديث. (انتهى).

ولكي يتحقق الشكر والحمد فلا بد من ثلاثة أركان:
الأُول: العلم، والثاني: الحال، والثالث: العمل.
فالعلم معرفة أنّ النعمة من الله جلّ جلاله ، كما قال تعالى : (وما بكم من نعمة فمن الله) “النحل: 53″
ومن العلم يتولّد الحال، والحال سرور القلب بهذه النعمة، وإليه الإشارة بقوله عز وجل : (فَبِذلك فَلْيَفرحوا) ” يونس : 58 “.
ومن الحال يصدر العمل ، والعمل استعمال النعمة فيما يريده الله وما يرضاه ، وإليه الإشارة بقوله: (اعمَلوا آلَ داودَ شُكراً)”سبأ: 13″ .