من السنة أن يكون هناك فاصل بين الأذان والإقامة حتى يتمكن المصلون من إدراك الجماعة، أما مقدار هذا الفاصل فليس له وقت محدد ، المهم في الأمر أن يكون الوقت كافيا لتجمع المصلين في المسجد ولذلك كان أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم– لبلال –رضي الله عنه-“واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته – هو من يؤذيه بول أو غائط أي يفرغ الذي يقضي حاجته – ولا تقوموا حتى تروني.

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

الفصل بين الأذان والإقامة بفاصل زمني ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها:
1 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعوها الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) رواه البخاري ومسلم.

2 – وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين كل أذانين صلاة ثلاثاً لمن شاء) رواه البخاري ومسلم، والمقصود بالأذانين في الحديث الأذان والإقامة، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ قوله :( بين كل أذانين ) أي أذان وإقامة , ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة , والخبر ناطق بالتخيير لقوله ” لمن شاء ” , وأجرى المصنف – أي البخاري – الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد , وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين للشمس والقمر] فتح الباري 2/141.

3 – وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه يقول:( كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح .

4 – وورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المؤذن أن يجعل وقتاً بين الأذان والإقامة حتى يتمكن المصلون من الاستعداد للصلاة، فقد روى الترمذي بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لبلال: يا بلال إذا أذنت فترسل في أذانك وإذا أقمت فاحدر – أي أسرع في كلمات الإقامة – واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته – هو من يؤذيه بول أو غائط أي يفرغ الذي يقضي حاجته – ولا تقوموا حتى تروني )، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ حاجته في مهل ).

وقد اختلف المحدثون في الحديث السابق فمنهم من حسنه واحتج به ومنهم من ضعفه كالحافظ ابن حجر العسقلاني كما في فتح الباري 2/140.

وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث السابق بأنه حديث حسن لتعدد طرقه كما في السلسلة الصحيحة حديث رقم 887 وكذلك حسنه في صحيح الجامع حديث رقم 150.

وبناءً على الأحاديث السابقة استحب الفقهاء الفصل بين الأذان والإقامة وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه( باب كم بين الأذان والإقامة) ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن بطال قوله: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت، واجتماع المصلين ] فتح الباري 2/140.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ويستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين يتهيئون فيها‏] المغني 1/299.‏

وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي [والمستحب أن يقعد بين الأذان والإقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة] المهذب مع شرحه المجموع 3/ 120.

وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث جابر السابق [والحديث يدل على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة وكراهة الموالاة بينهما لما في ذلك من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها ; لأن من كان على طعامه أو غير متوضئ حال النداء إذا استمر على أكل الطعام أو توضأ للصلاة فاتته الجماعة أو بعضها بسبب التعجيل وعدم الفصل لا سيما إذا كان مسكنه بعيدا من مسجد الجماعة, فالتراخي بالإقامة نوع من المعاونة على البر والتقوى المندوب إليها.] نيل الأوطار 2/10.

ومن الفقهاء من حدد مقدار الفصل بين الأذان والإقامة، قال الإمام الزيلعي: [ قال رحمه الله: (ويجلس بينهما إلا في المغرب) أي بين الأذان والإقامة لما روينا ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام( قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً يفرغ المتوضئ من وضوئه مهلاً والمتعشي من عشائه) ولأن المقصود الإعلام بدخول الوقت ليتأهب السامعون بالطهارة ونحوها فيفصل بينهما ليحصل به المقصود ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة عشر آيات وفي العصر بقدر ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية والعشاء كالظهر والأولى أن يصلي بينهما لقوله عليه الصلاة والسلام : بين كل أذانين صلاة إن شاء] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/92.

إذا تقرر أن الفصل مشروع بين الأذان والإقامة فإن ذلك يشمل صلاة المغرب أيضاً على الراجح من أقوال أهل العلم خلافاً لبعض العلماء الذين يرون عدم الفصل للأمر بتعجيلها ولكن ينبغي أن يكون الفاصل في صلاة المغرب قصيراً يكفي لصلاة ركعتين قبل الإقامة لما ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء قال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة لم يكن بينهما إلا قليل) رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ قوله: ( شيء ) التنوين فيه للتعظيم, أي لم يكن بينهما شيء كثير] فتح الباري 2/142.

وعن عبد الله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة ) رواه البخاري، وروى مسلم عن مختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر فقال:( كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب فقلت له أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما قال كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا.

قال الإمام النووي:[ وفي هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب. وفي المسألة وجهان لأصحابنا أشهرهما: لا يستحب , وأصحهما عند المحققين , يستحب لهذه الأحاديث …والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة, وفي صحيح البخاري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): (صلوا قبل المغرب, صلوا قبل المغرب, صلوا قبل المغرب, قال في الثالثة: لمن شاء ) وأما قولهم: يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه, ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها, وأما من زعم النسخ فهو مجازف ; لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ, وليس هنا شيء من ذلك. ] شرح النووي على صحيح مسلم 2/440-441.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ قال القرطبي وغيره: ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمراً أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه, وهذا يدل على الاستحباب, وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم: “بين كل أذانين صلاة ” ] فتح الباري 2/142.

وخلاصة الأمر أن الفصل بين الأذان والإقامة أمر مشروع في جميع الصلوات المفروضة وينبغي أن يكون الوقت الفاصل بينهما يتسع لتمكين المصلين من اللحاق بالجماعة فمن المستحسن أن يكون ذلك الفاصل بمقدار عشرين دقيقة إلى ثلاثين في صلاة الفجر وعشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة في الظهر والعصر والعشاء وأما المغرب فخمس دقائق تكفي ولا ينبغي أن يزيد على عشر دقائق للأمر بتعجيلها.