يقول الدكتور السيد صقر، المدرس بجامعة الأزهر.

بين الروايات المأثورة والآراء الفقهية خلاف طويل في موضوع الغنيمة والفيء . .

أولاً : حول مدلول « الغنائم » ومدلول « الفيء » هل هما شيء واحد ، أم هما شيئان مختلفان؟

وثانياً : حول الخمس – الذي يتبقى بعد الأخماس الأربعة التي منحها الله للمقاتلين – كيف يقسم؟

وثالثاً : حول خمس الخمس الذي لله . أهو الخمس الذي لرسول الله ، أم هو خمس مستقل؟

وذلك على النحو التالي:

قال الطبري في تفسير هذه الآية :

 واختلف أهل العلم في معنى “الغنيمة” و”الفيء”.

فقال بعضهم: فيهما معنيان، كل واحد منهما غير صاحبه.

فعن الحسن بن صالح قال: سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه” ، وهذه الآية:(( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ )) [سورة الحشر: 7] ، قال قلت: ما “الفيء”، وما “الغنيمة”؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوةً، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو “غنيمة”، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا “فيء”.

وقال آخرون: “الغنيمة”، ما أخذ عنوة، و”الفيء”، ما كان عن صلح.

فعن سفيان الثوري قال: “الغنيمة”، ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. و”الفيء”، ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سمَّى الله.

وقال آخرون: “الغنيمة” و”الفيء”، بمعنى واحد. وقالوا: هذه الآية التي في “الأنفال”، ناسخة قوله:(( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ )) الآية ، [ سورة الحشر: 7].

فعن قتادة في قوله:( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ، قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في “سورة الأنفال“، فقال: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل” ، فنسخت هذه ما كان قبلها في “سورة الأنفال”، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في “سورة الحشر”، وسائر ذلك لمن قاتل عليه.

وقد بينا فيما مضى “الغنيمة”، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل الله مالَه أهلَ دينه، بغلبة عليه وقهرٍ بقتال.

فأما “الفيء”، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو ما ردّه عليهم منها بصلح، من غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم “فيئًا”، لأن “الفيء”، إنما هو مصدر من قول القائل: “فاء الشيء يفيء فيئًا”، إذا رجع، و”أفاءه الله”، إذا ردّه.

أما قوله: “من شيء” ، فإنه مرادٌ به: كل ما وقع عليه اسم “شيء”، مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين، مما وقع فيه القَسْم، حتى الخيط والمِخْيط .

القول في تأويل قوله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } :

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم قوله: “فأن لله خمسه” ، مفتاحُ كلامٍ تقديره : ولله الدنيا والآخرة وما فيهما، وإنما معنى الكلام: فإن للرسول خمسه.

فعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا، خمَّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثم قرأ: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول” . قال: وقوله: “فأن لله خمسه” ، مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الأرض، فجعل الله سهم الله وسهم الرسول واحدًا.

وعن قتادة قال: كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله والرسول.

وقال آخرون: معنى ذلك: فإن لبيت الله خمسه وللرسول.

عن أبي العالية: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه” ، إلى آخر الآية ، قال: فكان يُجَاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين الناس، ويأخذ سهمًا، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم، فما قَبَضَ عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سُمِّي لله، ويقول: “لا تجعلوا لله نصيبًا، فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم: سهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.

وقال آخرون: ما سُمِّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فإنما هو مرادٌ به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شيء.

 عن ابن عباس قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: فربع لله والرسول ولذي القربى = يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم = فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: قوله: “فأن لله خمسه” ، “افتتاح كلام”، وذلك لإجماع الحجة على أنّ الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم، ولو كان لله فيه سهم، كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسومًا على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك، فما لا نعلم قائلا قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية. وفي إجماع من ذكرت، الدلالةُ الواضحةُ على صحة ما اخترنا.

قال علي بن الحسين، رحمة الله عليه، لرجل من أهل الشأم: أما قرأت في “الأنفال”: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول” الآية؟ قال: نعم! قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم!

و عن مجاهد قال: هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة.

وعن ابن عباس: أن نَجْدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتابًا: “نزعم أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا”.

قال آخرون: بل هم قريش كلها.

وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصةً.

  ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال قائلون: سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم = وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة= واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ولي أمر المسلمين.

وقال آخرون: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل العراق.

وقال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

(انتهى .. باختصار، وبمثله قال عامة المفسرين )

 وقال الإمام : السيد قطب في تفسير الظلال :

(( موضوع الغنائم بجملته ليس واقعاً إسلامياً يواجهنا اليوم أصلاً . فنحن اليوم لسنا أمام قضية واقعة ، لسنا أمام دولة مسلمة وإمامة مسلمة وأمة مسلمة تجاهد في سبيل الله ، ثم تقع لها غنائم تحتاج إلى التصرف فيها! لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية أول مرة ….

المنهج الإسلامي منهج واقعي ، لا يشتغل بقضايا ليست قائمة بالفعل؛ ومن ثم لا يشتغل أصلاً بأحكام تتعلق بهذه القضايا التي لا وجود لها من ناحية الواقع! . . إنه منهج أكثر جدية وواقعية من أن يشتغل بالأحكام! هذا ليس منهج هذا الدين . هذا منهج الفارغين الذين ينفقون أوقات الفراغ في البحوث النظرية وفي الأحكام الفقهية ، حيث لا مقابل لها من الواقع أصلاً! بدلاً من أن ينفقوا هذه الجهود في إعادة إنشاء المجتمع المسلم وفق المنهج الحركي الواقعي لهذا الدين نفسه : دعوة إلى لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ ينشأ عنها دخول فئة في هذا الدين من جديد – كما دخل فيه الناس أول مرة – كما ينشأ عن هذا الدخول في الدين تجمع حركي ذو قيادة مسلمة وذو ولاء خاص به وذو كينونة مستقلة عن المجتمعات الجاهلية .

ثم يفتح الله بينه وبين قومه بالحق . . ثم يحتاج حينئذ – وحينئذ فقط – إلى الأحكام التي تنظم علاقاته فيما بينه؛ كما يحتاج إلى الأحكام التي تنظم علاقاته مع غيره . . وحينئذ – وحينئذ فقط – يجتهد المجتهدون فيه لاستنباط الأحكام التي تواجه قضاياه الواقعية – في الداخل وفي الخارج – وحينئذ – وحينئذ فقط – تكون لهذا الاجتهاد قيمته ، لأنه تكون لهذا الاجتهاد جديته وواقعيته!

إن الحكم العام الذي تضمنه النص القرآني :

{ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ، وللرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل } . .

يتلخص في رد أربعة أخماس كل شيء من الغنيمة إلى المقاتلين ، واستبقاء الخمس يتصرف فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والأئمة المسلمون القائمون على شريعة الله المجاهدون في سبيل الله ، من بعده في هذه المصارف : « لله وللرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل » . . بما يواجه الحاجة الواقعة عند وجود ذلك المغنم . . . وفي هذا كفاية . .)) انتهى.