في العقوبة الشرعية القانونية – التي يتولاها الحاكم أو ولي الأمر – جاء قوله – صلى الله عليه وسلم – في الزكاة: “من أعطاها مؤتجرًا فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شئ” (رواه أحمد والنسائي وأبو داود من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ” معاوية بن حيدة “، ورواه البيهقي في سننه: 105/4، وقال هذا حديث أخرجه أبو داود في ” السنن “.

فأما البخاري ومسلم رحمهما الله فلم يخرجاه، جريًا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راوٍ واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين. ومعاوية بن حيدة القشري لم يثبت عندهما رواية ثقة عنه غير ابنه فلم يخرجا حديثه في الصحيح والله أعلم. وتعقبه ابن التركماني في “الجوهر النقي” بما يدل على أن عادة الشيخين التي ذكرها البيهقي غالبة لا مطردة، وانظر الكلام على الحديث في نيل الأوطار: 312/4 – ط. العثمانية –

تضمن هذا الحديث الكريم جملة مبادئ هامة في باب الزكاة:

أحدها: أن الأصل في الزكاة أن يعطيها المسلم مؤتجرًا، أي طالبًا الأجر، ومحتسبًا الثواب عند الله تعالى، لأنه يتعبد لله بأدائها، فمن فعل ذلك فله أجره، ومثوبته عند ربه.
الثاني: أن من غلب عليه الشح وحب الدنيا، ومنع الزكاة لم يترك وشأنه، بل تؤخذ منه قهرًا، بسلطان الشرع، وقوه الدولة، وزيد على ذلك فعوقب بأخذ نصف ماله تعزيرًا وتأديبًا لمن كتم حق الله في ماله، وردعًا لغيره أن يسلك سبيله.
وقد قيل: إن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ (ذكر ذلك الشيرازي في المهذب “المجموع: 332/5” ورد عليه النووي ص 334)، ولكن لا دليل على النسخ، ولا يثبت بالاحتمال.

والذي نراه: أن هذه عقوبة مفوضة إلى تقدير الإمام. ينفذها حيث يرى تمادي الناس في منع الزكاة، ولم يجد سبيلاً لزجرهم غير هذا.

الثالث: أن هذا التشديد في أمر الزكاة إنما هو لرعاية حق الفقراء والمستحقين الذين فرض الله لهم الزكاة، وأما النبي – صلى الله عليه وسلم – وآله، فليس لهم نصيب في هذه الزكاة ولا يحل لهم منها شئ. على خلاف ما عرف في الصدقات عند اليهود، حيث كان عُشرها مخصصًا لآل هارون ( اللاويين )الذين كانوا كهانًا بالنسل والوراثة , وكان جزء آخر منها يصرف إلى أصحاب المناصب الدينية (انظر: الأركان الأربعة للأستاذ أبي الحسن الندوي ص129).