يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

الواجب على الزوج أن لا يستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات لأن الطلاق شُرع كآخر حل إن استعصت الحلول الأخرى للمشكلات الزوجية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

[من الصيغ : أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط ; فيقول : إن كان كذا فعلي الطلاق . أو الحج . أو فعبيدي أحرار . ونحو ذلك : فهذا ينظر إلى مقصوده فإن كان مقصوده أن يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور – كمن ليس غرضه وقوع الطلاق إذا وقع الشرط – فحكمه حكم الحالف ; وهو من ” باب اليمين ” .

وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور : كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط : مثل أن يقول لامرأته : إن أبرأتني من طلاقك أنت طالق . فتبرئه . أو يكون غرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها فيقول : إذا فعلت كذا فأنت طالق ; بخلاف من كان غرضه أن يحلف عليها ليمنعها ; ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها فإنها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشرط فيكون حالفا . وتارة يكون الشرط المكروه أكره إليه من طلاقها . فيكون موقعا لطلاق إذا وجد  ذلك الشرط فهذا يقع به الطلاق وكذلك إن قال : إن شفى الله مريضي فعلي صوم شهر فشفي فإنه يلزمه الصوم .

فالأصل في هذا : أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده فإن كان غرضه أن تقع هذه الأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط . وإن كان مقصوده أن يحلف بها ; وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها ; لا موقع لها فيكون قوله من ” باب اليمين ” ; لا من ” باب التطليق والنذر ” فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة كقوله : إن فعلت كذا فأنا يهودي ; أو نصراني ونسائي طوالق وعبيدي أحرار وعلي المشي إلى بيت الله . فهذا ونحوه يمين ; بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه وكلاهما ملتزم ; لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم كما إذا قال : إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فإن هذا يكره الكفر ولو وقع الشرط : فهذا حالف . والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم ; سواء كان الشرط مرادا له أو مكروها أو غير مراد له . فهذا موقع ليس بحالف . وكلاهما ملتزم معلق ; لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم.] مجموع الفتاوى 33/59-60.

وانظر كلام العلامة ابن القيم في المسألة في إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/97.

وما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في التفريق في الطلاق المعلق بين ما كان قصد المطلق فيه مجرد الحمل على فعل أو المنع منه وبين حصول الطلاق عند وقوع الشرط إذا كان الطلاق هو المقصود هو القوال الراجح في هذه المسألة وخاصة أن المسألة مسألة اجتهادية لم يرد فيها نصوص صريحة لا من الكتاب ولا من السنة ، ومما يؤيد ذلك ما يلي:

الأول: إنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع مثلاً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) .

الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة وفي عرف الفقهاء ، ولذا دخل في أيمان البيعة ، وفي عموم اليمين في حديث الاستثناء في اليمين ، وفي عموم اليمين في حديث التحذير من اقتطاع مال امرىء مسلم بيمين فاجرة ، وفي عموم الإيلاء ، وفي عموم حديث (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) وفي عموم حديث (وإياكم والحلف في البيع) كما ذكر ذلك العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين ، وإذا كان يميناً دخل في عموم قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) ، وقوله تعالى :( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ … ) الآية فتجب فيها الكفارة …

وما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه فإنه إما غير صحيح نقلاً وإما صحيح معارض بمثله وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل أو المنع منه فهو في غير محل النزاع فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده والصواب التفصيل …] أبحاث هيئة كبار العلماء 2/390- 392.

وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين قولاً في مذهب الحنابلة يجيز الرجوع عن الطلاق المعلق ونسبه الشيخ ابن مفلح الحنبلي لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله، وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط قال ابن مفلح في الفروع (5/103): ” ولا يبطل التدبير برجوعه فيه, وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه, كبيعه, ويتوجه في طلاق”.

وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض.

وخلاصة الأمر أن الطلاق المعلق إن قصد به الحمل على فعل أمر ما أو المنع منه فحكمه حكم اليمين تلزم به كفارة يمين عند حصول ما علق عليه وإن قصد به الطلاق فعلاً فيقع الطلاق عند وقوع ما علق به.

وأما قضية الرجوع عن الطلاق المعلق إن قصد به الطلاق فالمسألة تحتاج إلى إعادة بحث ونظر في قول الجمهور المانعين من الرجوع عن الطلاق المعلق وهو الرأي الذي أخذ به قانون الأحوال الشخصية ، وهنالك رأي يجيز الرجوع عنه.