تحدث العلماء والأدباء عن الصداقة كأحد الأسباب التي يسعد بها الإنسان في حياته لأنه لا يستغني عنها حيث أنه مدني بطبعه، وممن أفاض في توضيح ذلك أبو الحسن البصري في كتابه “أدب الدنيا والدين” فقال: “إن أسباب الألفة خمسة، هي الدين والنسب والمصاهرة والمودة والبر، وتحدث عن الصداقة التي وصفها الكندي بقوله “الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك، وارشد إلى حسن اختيار الأصدقاء وفي ذلك يقول عدي بن زيد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكــــــل قريــن بالمقـــارن يقتــــدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
والاختيار أساسه العقل الموفور عند الصديق، ودين يدعو إلى الخير، وأخلاق حسنة، ولابد أن يكون بين الصديقين الرغبة والمودة.
وإذا كانت هذه آداب، الصداقة بين الجنس الواحد فهل الصداقة بين الجنسين بهذه الصورة؟.
إن الصداقة بين الجنسين لها مجالات وحدود وآداب فمجالها الصداقة بين الأب وبناته والأخ وأخوته، والرجل وعماته، وخالاته، وهي المعروفة بصلة الرحم والقيام بحق القرابة، وكذلك بين الزوج وزوجته، وفي كل ذلك حب أن ضعفت قوته فهي صداقة ورابطة مشروعة.

أما في غير هذه المجالات كصداقة الزميل لزميلته في العمل أو الدراسة، أو الشريك لشريكته في نشاط استثماري مثلا، أو صداقة الجيران أو الصداقة في الرحلات وغير ذلك، فلابد لهذه الصداقة من التزام كل الآداب بين الجنسين، بمعنى ستر العورات والتزام الأدب في الحديث، وعدم المصافحة المكشوفة، والقبل عند التحية، وما إلى ذلك مما يرتكب من أمور لا يوافق عليها دين ولا عرف شريف، والنصوص في ذلك كثيرة في القرآن والسنة لا يتسع المقام لذكرها.

إن الصداقة بين الجنسين في غير المجالات المشروعة تكون أخطر ما تكون في سن الشباب، حيث العاطفة القوية التي تغطي على العقل، إذا ضعف العقل أمام العاطفة القوية كانت الأخطار الجسيمة، وبخاصة ما يمس منها الشرف الذي هو أغلى ما يحرص عليه كل عاقل من أجل عدم الالتزام بآداب الصداقة بين الجنسين في سن الشباب كانت ممنوعة، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، ومن تعاليمه البعد عن مواطن الشبه التي تكثر فيها الظنون السيئة، والقيل والقال، ورحم الله امرأ ذب الغيبة عن نفسه.
ولا يجوز أن ننسى أبدا شهادة الواقع لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرحال من النساء” رواه البخاري ومسلم.