ذلك الصحابي الذي اهتز له عرش الرحمن هو سعد بن معاذ رضي الله عنه زعيم الأوس إحدى قبائل الأنصار في المدينة، روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم ـ “اهتز لها عرش الرحمن” وجاء مثله من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه.

قال النووي في شرح هذا الحديث “ج16 ص 22”: اختلف العلماء في تأويله، فقالت طائفة هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم روح سعد، وجعل الله في العرش تمييزا حصل به هذا، ولا مانع منه، كما قال تعالى ـ عن الحجارة ـ (وإن منها لما يهبط من خشية الله) (سورة البقرة: 74) وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار.

وقال المازري: قال بعضهم هو على حقيقته وأن العرش تحرك لموته، قال: وهذا لا ينكر من جهة العقل؛ لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون. قال: لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك، إلا أن يقال: إن الله تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته.

وقال آخرون: المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة، فحذف المضاف ـ وهو أهل ـ والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول. ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها.

وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة.

وقال جماعة: المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش، وهذا القول باطل يرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم: اهتز لموته عرش الرحمن، وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم.