إن الشفاعة إنما هي تكريم من الله ـ تعالى شأنه ـ لعباده المؤمنين: من الملائكة والأنبياء والصالحين، وأي غرابة في أن يُكَرِّم الله بعض عباده، فيمنحهم حقَّ الشفاعة في بعض عباده، والمُلك مُلْكُه، والخَلْقُ خَلْقُه؟!! وقد شُغِلَ في الدنيا ملائكته بالدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم: (الذينَ يَحمِلون العرشَ ومَنْ حولَه يُسبِّحُونَ بحَمْدِ ربِّهم ويُؤمِنونَ به ويَستغفِرونَ للذينَ آمَنُوا ربَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شيءٍ رحمةً وعِلْمًا فاغْفِرْ للذينَ تابُوا واتَّبِعوا سبيلكَ وقِهِمْ عذابَ الجحيمِ . ربَّنا وأدخِلْهُمْ جنَّاتِ عَدنٍ التي وَعَدتَّهمْ ومَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهم وأزواجِهم وذُرِّيَّاتِهم إنكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ وقِهِمُ السيئاتِ ومَنْ تَقِِ السيئاتِ يَومئذٍ فقدْ رَحِمْتَه وذلكَ هو الفوز العظيم) (غافر: 7 ـ 8 ـ 9).
أي غَرَابة في أنْ يُكَرِّم الله عبده ورسوله، وخِيرةَ خَلْقه، وخاتم أنبيائه: محمدًا، فيعطيه حقَّ الشفاعة العظمى لإراحة الخَلْق مِنْ هَول المَوقف؟!! وهذا فضل الله يُؤتِيهِ مَنْ يَشاء.
وأي غرابة في أن يشفع ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأهل الكبائر من أمته؟!!
وأي غرابة في أنْ يَشفع بعضُ الربانيين من أمته في بعض العصاة الذين ماتوا على التوحيد؟!!
وأي غرابة في أن يشفع الشهداء من أمته لعدد كذا وكذا من أهلهم وأقاربهم، مكافأة لهم على استشهادهم وبَذْلهم لأرواحهم في سبيل الله؟‍‍‍‍!!
إن العقل المؤمن لا يَستغرِب ذلك، ولا يَستبعِده، بل يَجِدُه ـ عند التَّدبُّر ـ مقتضى الكمال الإلهي الأعلى، ومقتضى الرحمة التي وَسِعتْ كل شيء، ومقتضى الفضل الإلهي الذي يُعطِي من يشاء بغير حساب: (قُلْ إنَّ الفضلَ بيدِ اللهِ يُؤتيه مَنْ يشاءُ واللهُ واسِعٌ عليمٌ يَختَصُّ برحمتِه مَنْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ) (آل عمران: 73 ـ 74).