الشرب قائما أمر خلافي ، وردت أحاديث صحيحة في النهي عنه ، كما وردت أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة شربوا قائمين، ولكن الأحاديث التي تثبت الشرب قائما تتعلق بأحوال خاصة، كتعذر الجلوس، وضيق المكان، وغير ذلك من الأعذار .

فيمكن الجمع بين الأحاديث بأن الشرب قائما يكره إلا عند تعذر القعود ، وينبغي ألا يعتاد عليه الشارب ، وأن يلجأ إليه إذا تعذر عليه القعود أو وجد فيه مشقة لأي سبب.

ذكر الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة أحاديث النهي عن الشرب قائما ، ثم قال: وظاهر النهي يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر ، وقد جاءت أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائما ويمكن أن تحمل على العذر ، كضيق المكان ، أو كون القربة معلقة وفي بعض الأحاديث إشارة إلى ذلك . (انتهى) .

وإن كان هذا رأي الألباني ، لكن الصحيح أنه النهي هنا لا يفيد التحريم ، وينبغي حمله على الكراهة لغير عذر .

جاء في موسوعة الفقه الكويتية :

كان من هديه صلى الله عليه وسلم الشرب قاعدا ‏،‏ هذا كان هديه المعتاد ‏،‏ وصح عنه أنه نهى عن الشرب قائما ‏،‏ وصح عنه أنه أمر الذي شرب قائما أن يستقيئ‏،‏ وصح عنه أنه شرب قائما ‏.‏ ‏

‏قال النووي ‏:‏ الصواب أن النهي محمول على كراهة التنزيه ‏.‏ أما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز ‏،‏ فلا إشكال ولا تعارض ‏.‏ وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه ‏.‏ ‏

‏ثم قال ‏:‏ فإن قيل ‏:‏ كيف يكون الشرب قائما مكروها وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لا يكون مكروها بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم ‏.‏ ‏

‏وقد ثبت ‏{‏ أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ‏،‏ وطاف على بعير ‏}‏ ‏،‏ مع أن الإجماع على أن الوضوء ثلاثا ثلاثا والطواف ماشيا أكمل ‏.‏ ونظائر هذا غير منحصرة ‏،‏ فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشيء مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه ‏.‏ وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا والطواف ماشيا وأكثر شربه جالسا ‏.‏ ‏

‏وقال النووي في الروضة تبعا للرافعي ‏:‏ لا يكره الشرب قائما ‏.‏ وأضاف ‏:‏ والمختار أن الشرب قائما بلا عذر خلاف الأولى للأحاديث الصريحة بالنهي عنه في صحيح مسلم ‏.‏ وقد ضعف بعض المالكية أحاديث النهي وقيل ‏:‏ إنها منسوخة ‏.‏ ‏(انتهى)