المقصود بالشاب الذي نشأ في عبادة الله تعالى هو الذي تربى على الطاعة منذ الصغر ،ونشأ على الإيمان الصادق ،والحب الخالص لله ولرسوله ﷺ،ولا يعني هذا ألا يكون الشاب قد اقترف ذنبا ،بل قد يذنب،ولكنه إن أذنب تاب إلى الله تعالى .
يقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا:
-روى الشيخان و الترمذي و النسائي و مالك و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي ﷺ قَالَ : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَ شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » .
و الظاهر من الحديث أنّ الشابّ الذي يستحق هذه المكانة الرفيعة ، هو الذي نشأ في عبادة الله منذ نعومة أظفاره ، و فيه حثٌّ للشباب على الإقبال على الله تعالى في مقتبل العمر و ريعان الشباب ، و خصّهم بذلك لأنّ سنّ الشباب قد يُغري بمواقعة المعاصي و اقتراف الذنوب ، نظراً لما يغلُب على المرء من التسويف ، و ما قد يُتاح له من الأسباب المؤدية إلى المعاصي أو المعينة عليها ، كالصحّة ، و الفراغ .
-روى البخاري و الترمذي و أحمد عَنِ عبد الله بنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِي ﷺ : « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَ الْفَرَاغُ » .
و من المقرّر عند أهل العلم أنّه لا عِصمةَ إلا للأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، فلا يُعقَل أن يوجد شاب ( أو غير شابّ ) لا يقارف الذنوب على الإطلاق ، لأنّ بني آدَم خطّاؤون لا محالة.
-روى الترمذي و ابن ماجة و أحمد بإسناد صحيح عَنْ أَنَس بن مالك أَنَّ النَّبِي ﷺ قَالَ : « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » .
-و روى مسلم و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ » .
فالعبد لا محالةَ واقع في الذنوب ، سواءً كان ذلك في شبابه أو مشيبه ، و الموفّق من وفّقه الله تعالى لتدارك نفسه بالتوبة ، فإن تاب و ندم عمّا اقترفت يداه ، و أقلع عن ذنبه ، عازماً على عدم العودة إليه ثانيةً ، فقد أتى بما أوجبه الله عليه ، و نرجو أن يكون ممّن يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه .
أمّا إن عاد إلى الذنب ثانيةً فعليه أن يتوب من جديد ، و لا يقنط من رحمة الله ، لأنّ الله يغفر الذنوب جميعاً .
قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ ) .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ( هَذِهِ الايَة الْكَرِيمَة دَعْوَة لِجَمِيعِ الْعُصَاة إِلَى التَّوْبَة وَالانَابَة وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا وَرَجَعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْل زَبَد الْبَحْر ) .
-وروى البُخَارِيّ في سبب نزولها عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل الشِّرْك كَانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَ زَنَوْا فَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : إِنَّ الَّذِي تَقُول وَ تَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَة فَنَزَلَت .
-وَروي عن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه أنّه قال : إِنَّ أَكْثَر آيَة فِي الْقُرْآن فَرَحًا ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِي أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه ) .
-وروى أحمد عن عَمْرو بْن عَبَسَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَدَّعم عَلَى عَصًا لَهُ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي غَدَرَاتٍ وَفَجَرَاتٍ فَهَلْ يُغْفَرُ لِي ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَسْتَ تَشْهَد أَنْ لا إِلَه إِلا اللَّه ) ؟ قَالَ : بَلَى وَأَشْهَد أَنَّك رَسُول اللَّه فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ غُفِرَ لَك غَدَرَاتُك وَفَجَرَاتُك ) تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَد ، و روى نحوه المنذري في الترغيب و الترهيب بإسناد صحيح .
-وقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : مَنْ آيَسَ عِبَاد اللَّه مِنْ التَّوْبَة فَقَدْ جَحَدَ كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، وَ لَكِنْ لا يَقْدِر الْعَبْد أَنْ يَتُوب حَتَّى يَتُوب اللَّه عَلَيْهِ .اهـ .
وما دام العبد يُحدث من كلّ ذنبٍ توبةً ، و لا يُصر على التفريط في جنب الله ، فهو أهل لعفو الله و مغفرته ، و الله تعالى ( هو أهل التقوى و أهل المغفرة ) .