الإسلام ينظر للجسم البشري نظرة متكاملة فليست الشهوة فيه الهدف الأسمى، فهو يحد من تنميتها إلا في إطار الحلال، ولا يكبتها، بل يجعل لها متنفسا في إطار مباح، وهو الزواج، وقضاؤها في إطاره يحقق عددا من المقاصد لا تتحقق شرعا إلا به كالنسل ، والمودة والرحمة والعفة، فهذه مقاصد ترمي لها الشريعة في إطار حلال، أما مجرد قضاء الشهوة وجعلها هدفا لا يصح شرعا ولا عقلا ولا فطرة.

نظرة تربوية نفسية:

وقبل أن نبدأ في بيان الأحكام الشرعية للسحاق أبين أن استغناء النساء عن الرجال بالسحاق أمر مناقض للفطرة، وهو كبديل للوضع الطبيعي يعد شذوذا وانحرافا، كما أنه مدمر للنسل، وهادم للبيئة، ومسبب للأمراض، وهو يدل على غياب التربية في محيط الأسرة، وربما من أسبابه رفقاء السوء أو نفس عاصية .

وهو جريمة في حق الفرد والأسرة والمجتمع ، والخلاص منها يتطلب إرادة قوية، ونفسا سوية، وتوبة نصوحا، وإيمانا بالله تعالى عن يقين، وأن تشغل نفسها بالطاعة، وتبعدها عن المعصية وخطواتها ، والزواج قاطع لها، فإن لم يتيسر فالصوم وجاء.

حرمة السحاق:

ذكر بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: ” وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً” النساء، أن المقصود بـ (اللاتي) هن السحاقيات اللواتي يمارسن الشذوذ فيما بينهن.

وترجع سبب الحرمة أيضا لحديث روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- نصه :” السحاق زنى النساء بينهن”،‏ رواه الطبراني في معجمه قال الهيثمي رجاله ثقات، وحسنه السيوطي، ولقوله –صلى الله عليه وسلم- : “إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان، وإذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان” رواه السيوطي في زيادات الجامع الصغير.

فمن هذه الأدلة أجمع الفقهاء على حرمة السحاق وهو ممارسة المرأة الجنس مع امرأة أخرى.

الأحكام الفقهية للسحاق:

أولا: إقامة الحد على السحاقيات:

اختلف العلماء في حد السحاق والراجح أن المقصود بالزنى الوارد في الحديث هو تغليظ الجرم، وبيان شدة الحرمة، حتى عده ابن الحجر من الكبائر، وليس المقصود أن يلحق به في حد الزنى وإنما في الإثم والحرمة.

وقد وردت نص عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه أمر في امرأتين وجدتا في لحاف واحد يتساحقان بإحراقهما فأحرقتا بالنار فهذا أثر منكر جداً ، ويفتقر الدليل، فالعقوبة تحتاج نصا، ولا نص عليها هنا، فالسحاق ليس حدا من الحدود.

وهذا جملة ما قال به الفقهاء :

ففي المبسوط للسرخسي: “والمراد في حق الإثم دون الحد” أ.هـ

وفي الفقه على المذاهب الأربعة: ” إذا أتت المرأة المرأة وهو – السحاق، فلا يقام حد في هذه الصور بإجماع العلماء، لأنها لذة ناقصة، وإن كانت محرمة، والواجب التعزير على الفاعل حسب ما يراه الإمام زاجراً له عن المنكر”

وفي فتح الباري لابن حجر: ” واتفق الفقهاء على أنه لا حد في السحاق ‏;‏ لأنه ليس زنى ؛‏ وإنما يجب فيه التعزير ‏ لأنه معصية” أ.هـ

ويقول ابن قدامة المقدسي في المغني :”‏‏ وإن تدالكت امرأتان ‏,‏ فهما زانيتان ملعونتان ‏;‏ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏{‏ إذا أتت المرأة المرأة ‏,‏ فهما زانيتان ‏:‏ ‏}‏ ‏،‏ ولا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا ‏,‏ فأشبه المباشرة دون الفرج ‏,‏ وعليهما حد فيه ‏,‏ فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع.”أ.هـ

ويقول الخطيب الشربيني في تحفة المحتاج :- ” ولا حد بإتيان المرأة المرأة بل تعزران” أ.هـ

فالراجح إذا هو انه معصية، وذنب كبير، وليس حدا، وعلى الحاكم أو من ينيبه من القضاة إن ثبت أن يعزر المرأتين بما يحقق الزجر لهما، والردع لغيرهما.

الحكم على الحديث:

مما استدل به العلماء قوله صلى الله عليه وسلم:” إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان، وإذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان” ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار :-

فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ , وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : لا أَعْرِفُهُ ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ اِنْتَهَى . ولو صح الحديث لكان معناه أنهما زانيتان في الإثم لا في الحد .

أثر السحاق على الوضوء:

ذهب الحنفية إلى أن تماس الفرجين سواء كان من جهة القبل أو الدبر ينقض الوضوء ولو بلا بلل ‏-‏ وهو عندهم ناقض حكمي ‏-‏ واشترطوا أن يكون تماس الفرجين من شخصين مشتهيين وهو ما يفهم من مذهب المالكية حيث إن مس امرأة لأخرى بشهوة ينقض الوضوء ‏,‏ لأن كلا منهما تلتذ بالأخرى ،‏ وصرح الحنابلة بأنه لا نقض بمس قبل امرأة لقبل امرأة أخرى أو دبرها ،‏ وهو مذهب الشافعي” أ.هـ انتهى من الموسوعة الفقهية الكويتية.

الغسل من السحاق:

اتفق الفقهاء على وجوب الغسل إذا حصل إنزال بالسحاق أو غيره‏,‏ لأن خروج المني من موجبات الغسل ، أما إن لم يحدث إنزال فلا يجب الغسل.

أثر السحاق على الصوم:

إذا خرج المذي فقط من السحاق في حال الصيام فمذهب المالكية والحنابلة أن خروج المذي بلمس أو قبلة أو مباشرة مفسد للصوم كذلك ‏,‏ خلافا للحنفية والشافعية.

أما المني: فقد اتفق الفقهاء على فساد الصوم إن حدث إنزال بالسحاق، ويجب على من أنزلت منهما القضاء، وبالنسبة للكفارة مع القضاء فقد اختلفوا فيها:

المذهب الحنفي لا يوجب الكفارة: يقول الكمال بن الهمام‏:‏ وعمل المرأتين أيضا كعمل الرجال جماع فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلا إذا أنزلت ولا كفارة مع الإنزال ، ويوجب المالكية الكفارة مع القضاء.

أما إن لم ينزل شيء لا مذي ولا مني فالصوم صحيح .

حكم نظر السحاقيات لغيرهن من النساء:

اختلف الفقهاء في حكم نظرة المرأة السحاقية إلى المسلمة العفيفة فذهب العز بن عبد السلام وابن حجر الهيثمي وعميرة البرلسي إلى منعه وحرمة‏‏ التكشف لها لأنها فاسقة ‏,‏ ولا يؤمن أن تحكي ما تراه .

‏وذهب البلقيني والرملي والخطيب الشربيني ‏ إلى جوازه ‏;‏ لأنها من المؤمنات ‏,‏ والفسق لا يخرجها عن ذلك.

أثر السحاق على شهادة النساء:

‏و لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في قبول شهادة الشاهد أن يكون عدلا ‏,‏ فلا تقبل شهادة الفاسق ‏.‏ ولما كان فعل السحاق مفسقا ومسقطا للعدالة فإنه لا تقبل شهادة المساحقة ‏،‏ وهذا وإن لم يصرح الفقهاء برد الشهادة بالسحاق إلا أنه مفهوم من كلام العامة في قبول الشهادة وردها ‏.‏