حكم الحافظ ابن حجر على ما رواه ابن شيبة من حديث ابن عباس : “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر” بأنه ضعيف، وكذلك فعل الزيلعي من قبل، وتبعهما الشيخ الألباني، فوصفه بأنه ضعيف جدا.

ولم يكن هذا الأثر الضعيف وحده، هو المستند الوحيد في إجازة ما زاد على الإحدى عشرة ركعة، ولكن المستند الأقوى في ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل دون أن يحدها بعدد معين.

وعلى هذا ، فمن كان إماما ، أو كان يصلي بنفسه فالأفضل له متابعة النبي في هديه صلى الله عليه وسلم ، فيقسم حظه من الليل على الإحدى عشرة ركعة، وأما إذا كان مأموما فليصل بصلاة إمامه ولو صلى أربعين ركعة. ورضي الله عن الصحابة أجمعين، فقد تابعوا عثمان بن عفان في إتمام الصلاة في منى مع إنكارهم ذلك، مبررين متابعتهم بأن الخلاف شر.

وقد سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله-: بعض الناس في المسجد الحرام يصلون القيام دون التراويح بحجة المحافظة على السنة وعدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة فما رأي فضيلتكم؟

فأجاب فضيلته بقوله:

الذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على التراويح والقيام جميعاً، فيصلي مع الإمام الأول حتى ينصرف ويصلي مع الإمام الثاني حتى ينصرف؛ لأن تعدد الأئمة في مكان واحد يجعل ذلك كأن الإمامين إمام واحد، كأن الثاني ناب عن الأول في الصلاة الأخيرة، فالذي أرى في هذه المسألة أن يحافظ الإنسان على الصلاة مع الأول والثاني ليشمله قول الرسول عليه الصلاة والسلام: “من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة”.

… فإن قيل: المحافظة على الإمامين تستلزم أن يوتر الإنسان مرتين:

… فنقول: يزول هذا المحظور بأن تنوي مع الإمام الأول إذا قام إلى الوتر أنك تريد الصلاة ركعتين، فإذا سلم من وتره قمت فأتيت بالركعة الثانية، وتجعل الوتر مع الإمام الأخير، فيشفع الإنسان مع الإمام الأول ويوتر مع الثاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً”

… أما قولهم: السنة إحدى عشرة ركعة:

… فنقول: نعم، إذا صليت وحدك فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، أو كنت إماماً فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، لكن إذا كنت مأموماً تابعاً لغيرك فصل كما يصلي هذا الإمام، ولو صلى ثلاثاً وعشرين، أو ثلاثاً وثلاثين، أو تسعاً وثلاثين هذا هو الأفضل وهو الموافق للشرع؛ لأن الشرع يحث على وحدة الأمة الإسلامية واتفاقها، وعدم تنافرها واختلافها، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: “من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة” يشمل هذا. ولقد تابع الصحابة رضي الله عنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – في إتمام الصلاة في منى مع إنكارهم ذلك، كل هذا من أجل ائتلاف الكلمة وعدم التفرق.انتهى كلام الشيخ ابن باز.

ويقول الشيخ العلامة ابن العثيمين- رحمه الله-:

فيما يتعلق بالقيام، فإنكم سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) لكن هل يعني ذلك قيام كل الليل والنهار يصلي؟! لا، ولكن من قام القيام المشروع وذلك في الليل، فهل لهذا القيام عدد معين أو لا؟ نقول: أما على سبيل الحتم فليس هناك عدد معين، لو صلّى الإنسان ثلاثين ركعة أو أربعين ركعة فلا حرج عليه، ولا يقال له: لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت عدداًَ في قيام الليل، بل سأله سائل قال: (يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّى واحدة فأوتر…) إذاً لا يوجد عدد معين، لكن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليه إما إحدى عشرة، وإما ثلاث عشرة كما سئلت عائشة رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بحاله، كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: (كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) فهذا هو العدد الأفضل، لكن لا مانع من الزيادة.

ثم إن قيام الليل يحصل ثوابه لمن قام مع الإمام حتى ينصرف، ولو لم يستغرق إلا جزءاً يسيراً من الليل، دليل ذلك: أن النبي قام بأصحابه ولكنه انتهى قبل الفجر، قالوا: (يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا، قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) نعمة والحمد لله، إذا قمت مع الإمام حتى ينصرف فأنت كأنك قمت الليل كله، مع أنك نائم على فراشك أو مستمتع بأهلك، ولهذا ينبغي للإنسان ألا يكون في ليالي رمضان يقوم مع هذا الإمام بتسليمة، ومع الإمام الثاني بتسليمة ويتجول في المساجد، فيضيع عليه الوقت ويضيع عليه الثواب، نقول: إذا شرعت مع إمام فاستمر إلى أن ينتهي، من أجل أن يكتب لك قيام ليلة، ومن المعلوم أن كل واحد منا يريد الأجر، وينتهز الفرص، فنقول: هذه هي الفرصة، قم مع الإمام حتى ينصرف.انتهى كلام الشيخ العثيمين.

وجاء في كتاب المغني لابن قدامة :

فأما التعقيب ، وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة ، أو يصلي التراويح في جماعة أخرى . فعن أحمد : أنه لا بأس به ؛ لأن أنس بن مالك قال :ما يرجعون إلا لخير يرجونه ، أو لشر يحذرونه . وكان لا يرى به بأسا . ونقل محمد بن الحكم عنه الكراهة ، إلا أنه قول قديم ، والعمل على ما رواه الجماعة . وقال أبو بكر : الصلاة إلى نصف الليل ، أو إلى آخره ، لم تكره رواية واحدة ، وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل النوم ، والصحيح أنه لا يكره ؛ لأنه خير وطاعة ، فلم يكره ، كما لو أخره إلى آخر الليل .انتهى.

وعن سلوك بعض من يتصورون أنهم ينتسبون للسنة، فيكتفون من صلاة إمامهم بثماني ركعات ، ثم يجلسون في وسط الصفوف دون أن يتابعوا الإمام في بقية الركعات العشرين …. عن هذا السلوك يقول الشيخ ابن العثيمين في كلمات نيرة مشرقة – رحمه الله- :

لما سئل ابن مسعود : كيف تتم أربعاً وأنت تنكر على عثمان؟ قال: «الخلاف شر» رضي الله عن الصحابة ما أفقههم وأعمق علمهم يتابعون عثمان في أمر عظيم، زيادة عما هو مشروع في العدد، وبعض إخواننا الذين يرون أنهم متبعون للسلف والسنّة يخرجون من المسجد الحرام لئلا يتابعوا الإِمام على دعاء الختمة، وبعضهم لئلا يتابع الإِمام على ثلاث وعشرين ركعة، وكأن ثلاثاً وعشرين ركعة من الفسوق والمعصية العظيمة التي يخالف عليها الإِمام، ويخرج من المسجد الحرام من أجلها، وبعضهم يجلس بين المصلين يتحدث إلى أخيه، وربما يجهر بالحديث من أجل أن يشوش -والله أعلم – على هذه الصلاة البدعية على زعمه!!! على كلٍ أقول: إن هذا من قلة الفقه في الدين، وقلة اتباع السلف والبعد عن منهجهم، فالسلف يكرهون الخلاف، فإنهم وإن اختلفت الأقوال فقلوبهم متفقة، وما أمروا بالاتفاق فيه فعلوه ولو كانوا لا يرونه وهذا من فقه الصحابة ، وهذه المخالفات التي تقع من قلة الفقه بيننا، وبعدنا عن عصر النبوة عصر النور، ولهذا كلما كانت الأمة أقدم كانت للصواب أقرب بلا شك .