الزواج بنية الطلاق مفهومه أن يتزوج الرجل المرأة، ولا يُعلمها أنه سوف يطلقها بعد مدة من الزمن، قد تطول أو تقصر، ويتم هذا غالبا عندما تنتهي مصلحته في البلد الذي تزوج فيه، وهو موضوع مطروق قديما وتجدد من فترة ليست بالقصيرة، واختلف فيه العلماء من بين مبيح وحجته في ذلك اكتمال الشروط والأركان، ومانع لما فيه من الغش والتدليس.

وسوف نعرض هنا رأي المجيزين والمانعين ثم نبين ما ترجح لدينا وأدلة ذلك، معتمدين في هذا على الأجوبة التي صدرت للعلماء الأفاضل:

أولا : رأي المانعين:

من المانعين للزواج بنية الطلاق المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي ففي دورته الثامنة عشــرة المنعقــدة بمكة المكرمة في الفترة من 10-14/3/1427هـ الذي يــوافقه 8-12/4/2006م نظر في موضوع: (عقود النكاح المستحدثة) وجاء ما يلي: ” الزواج بنية الطلاق وهو: زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة ؛ كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله.

وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه ؛ لاشتماله على الغش والتدليس. إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا هذا العقد.

ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين”.

فللغش والتدليس، وما يؤدي إليه من مفاسد منع المجمع الفقهي الزواج بنية الطلاق.

وكذلك يرى الشيخ فيصل مولوي -رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء: 

“أن الزواج بنية الطلاق لا يجوز . لكنه إذا حصل يكون الزواج صحيحا ونية الطلاق باطلة، ويجب الرجوع عنها، كما أنني لا أجد أي مبرر لنية الطلاق طالما أن المسلم يمكنه أن يطلق عند حصول أي سبب سواء كان ناوياً ذلك من قبل أو لم يكن ناويًا”.

فسبب المنع أنه لا مبرر لهذا الأمر كما أنه فيه من الغش والتدليس ما فيه، فضلا عن ما فيه من المفاسد.

ثانيا رأي المجيزين:

استند المجيزون في إباحة هذا النوع من الزواج إلى أنه زواج اكتملت أركانه وشروطه، وإن كانت نيته محرمة، ولكن لا يمكن الحكم على النية، لأنه ليس لنا إلا الظاهر:

جاء في شرح الموطأ للزرقاني : (وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا، ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها، أنه جائز ليس بنكاح متعة).

والإمام أبو حنيفة قال : “إن عقد الزواج إذا كان محدودًا بمدة معينة عقد صحيح ولكن يُلغى التحديد ولا يلتزم به.

وعند الشافعية : “وإن قدم رجل بلدًا، وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد، أو يومًا أو اثنين أو ثلاثة، كانت على هذا نيته دون نيتها، أو نيتها دون نيته، أو نيتهما معًا دون نية الولي، غير أنهما إذا عقـــدا النكـــاح مطلقًا لا شـــرط فيه، فالنكــاح ثابت ولا تُفسد النية من النكاح شيئًا، لأن النية حديثُ نفسٍ، وقد وُضع عن الناس ما حدّثوا به أنفسهم) . ‎‎ وفي المذهب عند الشافعية : كراهة ذلك، لأنه لو صرح لبطل النكاح.

وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي : “لو تزوجها بغير شرط المدة إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم وأنه لا بأس به، ولا تضر نيته، وذلك لعدم الشروط في العقد . وإن تزوجها بشرط أن يطلِّقها في وقت معين لم يصح النكاح “.” وقد ذهب إلى القول بالكراهة المالكية والشافعية.‏ قال مالك : (ليس هذا من الجميل ولا من أخلاق الناس) .

وممن أجاز النكاح فضيلة الدكتور مصطفى ديب البُغآ أستاذ الحديث وعلومه بكلية الشريعة جامعة دمشقفقال:

” نكاح المتعة غير جائز عند أئمة الفقه، أما أن يتزوج الإنسان دون أن يذكر في العقد تأقيتًا له، فالعقد صحيح وجائز ولو كان في نيته أن يطلق بعد حين، وإن كان الأوْلى ألا تكون عنده هذه النية وهو يستطيع أن يطلق متى شاء”.

وكذلك الشيخ عبد الخالق الشريف من علماء مصر يقول:

” الأصل في الإسلام أن الزواج يقصد من أجل استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين، وأن النية بتحديد مدة للزواج يجعل الزواج صحيحًا إذا لم تتفق معه الزوجة والذنب على فاعل ذلك، وهنا يصبح الزواج أشبه بزواج المتعة، ولا نقول إنه زواج متعة؛ لأن الزوج لم يُظهر تحديد المدة، ولم تتفق معه الزوجة على ذلك.

وأما حال الاغتراب ورغبة الرجل الزواج لإحصان نفسه مخافة الفتنة فهو أمر مشروع إذا كان إضمار الطلاق في نفسه فلا يؤثر في صحة العقد، واختلف في جواز هذا الأمر بهذه النية ومراعاة لهذه الظروف، والأولى أن المسلم عليه أن يتزوج لاستمرار الحياة الزوجية، وأن يختار الزوجة الصالحة التي تعينه على ذلك”.

ويقول فضيلة الدكتور صلاح الصاوي –الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية-:

“الزواج بينة الطلاق هو الزواج الذي بيَّت فيه الزوج نية تطليق زوجته إذا قضى منها وطراً بعد زمن محدد أو غير محدد من طرفه ، دون إشعار الزوجة بذلك، ولا الاتفاق معها عليه، وهو من حيث أحكام الصحة والبطلان عقد شرعي صحيح، وإن تلبس بالحرمة بسبب ما ينطوي عليه من كذب وغش وخداع وظلم محرم.ومعنى كونه عقد صحيحا أي تترتب عليه  آثار عقد النكاح ديانةً و قضاء ، ويلزم الزوج بها ومن أهمها:ثبوت النسب لما ينشا عن هذا النكاح من أولاد، إلزام الزوج بالنفقة و السكنى و سائر ما أوجبه عليه الشارع تجاه أبنائه ، و تجاه زوجته ما دامت في عصمته، أو عدَّةِ طلاقها منه . ولزوجته النفقة وعليها العدة إذا طلقها ، و لها مع ذلك حقها من إرثه إن مات قبل أن يطلقها. و هذه الأمور وغيرها مما أوجبه الشارع الحكيم سبحانه لا تجب إلا من عقد صحيح.

أما وجه تحريمه فلما ينطوي عليه من غش وتغرير بالمرأة، وحقيقة الغش إضمار أمر لو علمه شريكك ما قبل بالتعاقد معك، والأصل أن المرأة وأولياؤها لو علموا بهذه النية ما قبلوا بهذا الزواج مهما كانت المغريات والدوافع اللهم إلا في النزر اليسير من الحالات التي لا ينبني على مثلها حكم ولا تتغير لمثلها قواعد”.

الرأي الراجح:

الواضح أن اختلاف الفقهاء المعاصرين في موضوع الزواج بنية الطلاق ينصب أساسا على أمرين :

الأمر الأول : تحقق الأركان الشروط واكتمالها، فمن نظر لذلك أباح الزواج.

والأمر الثاني: من نظر للغش والتدليس منعه.

وبالنظر في أدلة كلا الفريقين نرى ما يلي:

أن أدلة المجيزين قوية، وهي من الناحية الإجرائية سليمة، والزواج صحيح غير باطل، وحتى من منعوا الأمر لم يقولوا إن الزواج غير صحيح.

وأرى أن القول بالمنع ابتداء هو الصواب أما لمن تزوج فنقول له ليتق الله تعالى في زوجه، وليصحح نيته، ويعطيها حقوقها كاملة لما يلي:

أولا: ما يشاع عن المسلمين في بلاد الغرب جراء هذا الأمر من أنهم لا أمان لهم ولا خلاق لهم.

ثانيا: أن ذلك يدخل في إطار الغش، وقد نهى النبي-صلى الله عليه وسلم – عنه.

ثالثا: أن الأصل في الزواج الدوام والاستمرار، وإبطان هذه النية يعد خديعة .

رابعا: أنه لا يرضاه أحد على أخته فبالتالي لا يقوم به.

خامسا: لا ضرورة له فممكن أن يطلقها في أي وقت فليست هناك ضرورة لهذه النية.

سادسا: إباحة هذه الفتوى يعني لدى الغرب إعلانا بأن الخديعة مقننة، وأن الاستقرار في الزواج لن يكون فما هو إلا فترة وسيترك الرجل زوجه ويعود لوطنه بعد أن أنهى مصلحته، وهذا لا يعود بالسوء على الفرد فقط بل على المسلمين جميعا.