يجوز للنساء الرقص في الأفراح بشرط ألا يظهرن فيما بينهن من العورات إلا ما تقتضي الحاجة إظهاره كالشعر والعنق والكتفين والساقين ، وأما الصدر والبطن والظهر والأثداء فكل ذلك لا يجوز إظهاره بين النساء، وألا يطلع عليهم الرجال بأي حال من الأحوال، وأن يأمن آلات التصوير الحديثة.
الرقص المباح:
من الرقص المباح رقص الرجال في المناسبات السارة، بما لا يكشف عورة، ولا يؤذي أحدا، ولا يعطل عن صلاة أو واجب، ولا ينافي قيمة دينية أو خلقية حث عليها الإسلام.
وأوضح دليل على مشروعية هذا النوع هو رقص الحبشة بحرابهم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد بمشهده وتشجيعه وحثه لهم، حتى كان يقول لهم: ” دونكم يا بني أرفدة ” وهو اسم ينادى به الحبشة. كما يقال للروم: يا بني الأصفر، ونحو ذلك.
روى الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأقبل عليه رسول الله، وقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا.
قالت: وكان يوم عيد فيه السودان (أي الحبشة) بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: ” تشتهين تنظرين؟ ” فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: “دونكم يا بني أرفدة” حتى إذا مللت، قال: “حسبك”؟ قلت: نعم. قال: “فاذهبي”.( متفق عليه، كما في اللؤلؤ والمرجان (513) والدرق: الترس إذا كان من جلود فيه خشب.)
وروى الشيخان أيضا عن أبي هريرة قال: بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم، دخل عمر، فأهوى إلى الحصى، فحصبهم بها، فقال: “دعهم يا عمر”.(متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان514 )
(وروى الإمام أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وجعفر وزيد (أي ابن حارثة) فقال لزيد: أنت موالي (وفي رواية: أنت أخونا ومولانا) فحجل، قال: وقال لجعفر: أنت أشبهت خَلْقي وخُلُقي، فحجل وراء زيد، قال: وقال لي: أنت مني، وأنا منك، قال: فحجلت وراء جعفر
والحجل: أن يرفع رِجْلا ويقفز على الأخرى من الفرح. وقد يكون بالرجلين إلا أنها تسمى قفزا.
والحجل هو ضرب من الرقص، وإنما رقص زيد وجعفر وعلي رضي الله عنهم، تعبيرا عن فرحهم بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل منهم.

الرقص المحظور:
هناك ألوان أخرى من الرقص تعد محظورة شرعا، لما تشتمل عليه من مخالفات ينكرها الدين.

1 – الرقص النسائي الشرقي:
من الرقص المحظور ما يعرف باسم (الرقص الشرقي) وهو رقص تقوم به المرأة المحترفة لهذه المهنة، تتثنى فيه وتتكسر وتتلوى كأنها الأفعى، تعتمد على الإثارة الجنسية للرجال الذين يشاهدونها ويبذلون الأموال لها، ولا سيما أنها كاسية عارية، بل تكاد تكون عارية غير كاسية، لأن المستور منها شبه مكشوف لنوع الثياب التي تلبسها، فكأنما هي ملابس من زجاج.
ولا يشك عالم ـ بل ولا مسلم عادي ـ في حرمة هذا النوع من الرقص لما فيه من تحريض على الإثم، وإغراء بالفاحشة.
وإذا كان تعمد النظر إلى المرأة إذا بدا من جسمها ما لا يحل كشفه حراما، فكيف إذا كان ذلك مع الإثارة والإغراء؟

2 – رقص النساء (الباليه) أمام الرجال:
من الرقص المحظور ـ وإن كان دون السابق ـ: ما يسمى برقص (الباليه) وهو يقوم على الرشاقة والخفة والقدرة على الحركة والتثني والارتفاع والانخفاض بسرعة وتفوق.
فإذا كانت المرأة تفعل ذلك في ناد مغلق على النساء، ولا يشهده الرجال، فلا حرج في ذلك، فهو ضرب من ضروب الرياضة. ما لم يكن فيه كشف لعورة محرمة.
ولكن الحرج يتأتى إذا تم ذلك في حضور الرجال الذين ليسوا بمحارم لهؤلاء النساء، ولا يحل لهم الاطلاع على ما أمر الله بستره من زينتهن، كما قال تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) النور:31.
كما لا يجوز أن يصور هذا المشهد وينقل إلى الرجال أيضا.

3 – المراقصة بين الرجال والنساء:
من الرقص المحظور شرعا: المراقصة بين الرجال والنساء، فنجد المرأة وقد التصقت برجل أجنبي عنها، وقد تماس جسماهما، ووضع كل منهما يده على جسد الآخر، ووقفا يتمايلان ويتثنيان يمنة ويسرة، على أنغام الموسيقى التي تحرك السواكن، وتثير الغرائز، وتوقد الشرر.
وقد يفعل ذلك بامرأة الرجل وهو جالس يتمتع بالنظر إلى امرأته وهي بين يدي رجل آخر، وكثيرا ما نراهم يتبادلون ذلك، فكل منهم يرقص مع زوجة الآخر.
وهذه بدعة دخيلة على مجتمعاتنا، لم يكن يعرفها الناس حتى استوردناها فيما استوردناه من الغرب، الذي لا يعرف قيمنا في الحياء والإحصان والاحتشام، والذي لا يحكمه ما يحكمنا من شرائع الحلال والحرام.
وإذا كان الشرع قد حرّم النظر بشهوة إلى المرأة الأجنبية، وحرّم الخلوة بها، سدا للذريعة إلى الفساد، وإغلاقا لباب قد تهب منه رياح الفتنة، فما بالكم بهذا التلاصق والتَّماس في جو الإثارة المصاحب له؟ وخصوصا مع إغراء الزينة والتأنق والتبرج، ومع كشف ما يحرم كشفه من بدن المرأة الذي أمر الله بستره (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن)النور:31.

4 – رقص الصوفية:
هناك لون من الرقص والتصفيق يتعلق بهما، ذكره بعض العلماء، مما يقع من المتصوفة الذين يتقربون إلى الله تعالى بالسماع وما قد يكون معه من دق وآلات، وما قد يصاحبه، أو ينتج عنه من رقص وتصفيق، قد يزعم بعضهم أنه نشأ عن (حال) وجدانية غلبت عليه، فلم يعد يملك أمر نفسه. وقد يفعل ذلك بعضهم تصنعا ومراءاة للناس.
وما حكم هذا النوع من الرقص وما معه من تصفيق ونحوه؟
وكنا قد عرضنا للغناء الديني أو الغناء الصوفي وما يلحق به من رقص في كتابنا عن (فقه الغناء والموسيقى) ولا بأس أن نشير هنا إلى قضية الرقص الصوفي تكملة للبحث، وإن كان قصدنا الأساسي هو اللهو والترويح.
ومن أبرز العلماء الذين عرضوا لمسألة الرقص عند الصوفية: الإمام المجتهد عز الدين بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) فقد عرض فيه لمسألة سماع الصوفية، وحرر فيه كلاما في غاية التوازن والاعتدال، ثم إنه ـ وإن أباح بعض أقسام السماع ـ حط على من يرقص ويصفق عنده فقال:
وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة، مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه وذهب قلبه ، وقد قال عليه السلام : { خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } (متفق عليه عن ابن مسعود وعن عمران بن حصين. كما في اللؤلؤ والمرجان (1646،1647) . ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك . وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا، من جهة أنهم عند سماع المطربات( الأشياء المطربة) وجدوا لذتين اثنتين :
إحداهما لذة المعارف والأحوال المتعلقة بذي الجلال .
والثانية : لذة الأصوات والنغمات والكلمات الموزونات الموجبات للذات النفس، التي ليست من الدين ولا متعلقة بأمور الدين.

فلما عظمت عندهم اللذتان غلطوا فظنوا أن مجموع اللذة إنما حصل بالمعارف والأحوال ، وليس كذلك بل الأغلب عليهم حصول لذات النفوس التي ليست من الدين بشيء . وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام : { إنما التصفيق للنساء } متفق عليه عن أبي هريرة كما في اللؤلؤ والمرجان (244). { ولعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء } ، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق ، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل ، ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة ، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء ، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء ، وقد قال تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } النحل : 90. وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك ، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه ، فإن كان ممن يقتدى به، ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع؛ لإيهامه أن هذا من الطاعات ، وإنما هو من أقبح الرعونات.

ونقل العلامة الألوسي في تفسيره (روح المعاني) عن بعض الأجلة من العلماء قوله: ومن السماع المحرم: سماع متصوفة زماننا وإن خلا عن رقص،فإن مفاسده أكثر من أن تحصى،وكثير مما يسمعونه من الأشعار من أشنع ما يتلى،ومع هذا يعتقدونه قربة،ويزعمون أن أكثرهم رغبة فيه أشدهم رغبة أو رهبة، قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون.