ذكر النووي في كتابه “الأذكار ص 245” عن أبي سعد المتولي أن الإنسان إذا كتب كتابًا فيه: السلام عليكم يا فلان، أو السلام على فلان فبلغه الكتاب وجب عليه أن يرد السلام، وكذا ذكر الواحدي وغيره أيضًا أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام. وقال النووي في شرح صحيح، لو بلغه سلام في ورقة من غائب وجب عليه أن يرد السلام باللفظ على الفور إذا قرأه.
وهذا ظاهر في وصول السلام مكتوبًا أو مبلَّغًا على لسان أحد إلى إنسان أو جماعة مقصودة، فيجب الرد على من أُرْسِلَ إليه الكتاب وفيه السلام، ومثل الكتابة التسجيل على شريط، فيجب على من يستمع إلى التسجيل أن يرد.

أما التسجيل على الشريط لحديث بُديء أو خُتِمَ بالسلام، فهل يجب على المُستمعين للسلام فيه أن يردوا التحية، وهل يجب على المشاهدين لما يُعرض على الشاشة أن يردوا التحية؟ ومن يُلقى عليهم السلام ليسوا جماعة مخصوصين، فهل يُعطون حكم الشخص المُعين أو الجماعة المعينة في شريط التسجيل؟
لا أستطيع أن نجزم بالحكم وفي فقه المذاهب الأربعة أن آية السجدة لو كانت مُسجلة على شريط أو سمعها إنسان لا ينبغي ولا يُسَنُّ أن يسجد للتلاوة، وإن كان تعليلهم مختلفًا، فقال بعضهم: السبب عدم صحة التلاوة لفقد التمييز من الآية المسجل عليها القرآن، وقال بعضهم : السبب أن التلاوة من غير آدمي، وقال بعضهم: السبب أن القراءة من الحاكي ـ الفوتوغراف ـ غير مقصودة.

ولو قِسْنَا السلام على قراءة آية السجدة فلا ينبغي ردُّ السلام على الشريط المُذاع أو المعروض. وفي نفسي شيء من هذا الحكم الذي لم نعثر على دليل يُؤيده.
لكن ما هو الرأي في المذيع أو المتحدث على الهواء مباشرة دون تسجيل سابق، ومثله ناشر الكتاب أو المقال؟
يبدو أنه يجب الرد؛ لأن الصوت صادر من إنسان قاصد للتحية، والراديو أو التليفزيون ومثلهما الكتاب والصحيفة كلها ناقلة فقط كالميكروفون الذي يبلِّغ سلام المُتكلم لمن يبعدون عنه ولا يرونه في المسجد الكبير أو الحفل الكبير، فإذا أعيدت إذاعة هذا الحديث أو عرضه لأنه سُجِّلَ، أُعطى حكم الشريط المسجل فلا ينبغي ردُّ التحية بناء على ما سبق بيانه في سجود التلاوة.
وقد يقال: إن المذيع أو المتحدث المباشر أو الناشر لا يسلِّم على أشخاص حقيقيين بل مُتخيَّلين في ذهنه وتصوره؛ لأنه لا يرى ولا يحس بأناس معه، ومن هنا لا يجب الرد.
لكن إذا وجب رد السلام على من أُلْقيت عليه التحية قال العلماء: أقل ما يؤدي به الواجب أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلِّم، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الرد. نقله النووي في “الأذكار” عن المتولي، ولم يعقب عليه.
وعلى هذا فإن رد المستمعين إلى الإذاعة أو المشاهدين للتلفزيون السلام على من سلَّم عليهم واجب، حتى لو لم يسمعه المذيعون ـ ولن يسمعوه قطعًا ـ كما تقدم في أول الكلام أن من بلغه سلام في كتاب وجب الرد، ومعلوم أن المُرْسِل لن يسمعه.
هذا، ولما كان رد التحية المُلقاة على جماعة واجبًا وجوبًا كفائيًا، فإنه لو قام به البعض سقط الطلب عن الباقين.
وأغلب الظن ـ إن لم يكن يقينًا ـ أن الآلاف أو الملايين من المستمعين أو المشاهدين سيرد منهم واحد على الأقل على هذه التحية، فيغني ذلك عن رد الآخرين.