الهِبَة في الشرع هي تمليك الإنسان شيئًا من ماله لغيره في حياته بلا عوض ، فإذا كان التمليك بعد الوفاة كان وصية ، وإذا كان بعوض كان هدية أو بيعًا .

والهبة في الحياة بدون عوض مشروعة بل مندوبة لما فيها من تأليف القلوب ، وقد جاء في الحديث الحسن ” تهادوا تحابوا ” وكما حث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تقديمها حث على قبولها ، ففي حديث أحمد ” من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ـ أي تطلع ـ ولا مسألة فليقبله ولا يرده ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ” وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ، فقد جاء في رواية أحمد ” لو أُهدي إلىَّ كراع لقبلت ” والكراع من عظام الأطراف .

والهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها ، كما قال مالك وأحمد ، لكن أبا حنيفة والشافعي شرطا القبض حتى تكون لازمة ، والرجوع في الهبة حرام عند جمهور العلماء ، إلا إذا كانت من الوالد لولده ، فإنَّ له أن يرجع فيها ، لما رواه أصحاب السُّنن أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ” لا يَحِلُّ لرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عطية أو يهب هبة فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يُعطي ولده ” وحُكم الوالد حكم الوالدة ، ويستوي في الولد أن يكون كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى.

وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع فيما وَهَبَ لابنه وَلكلِّ ذِي رَحِمٍ من الأرْحَامِ ، وهو رأي غيرُ قوي لمعارضته للحديث . وجاء في النهي عن الرجوع في الهبة حديث الترمذي وغيره وهو حسن صحيح ” مَثَلُ الذي يُعطي العَطية ثُمَّ يَرْجِعُ فيها كَمَثَلِ الْكَلْب يأكل ، فإذا شبع قَاءَ ثم عادَ في قَيْئِه ” وفي إحدى الروايات ” ليس لنا مَثَلُ سَوء ، الذي يعود في هِبته كالكلب يرجع في قَيْئِه “.

فمن أهدى لابنته حليا من الذهب صَارَ من حقِّ البنت عندما قبضته من والدها ، لكن يجوز لوالدها أن يرجع في هذه الهِبة ، ويصير الحُلي من حقِّه بِنَاء عَلَى رَأي جمهور الفقهاء المستند إلى الحديث ، وأبو حنيفة يقول إنه من حقِّهَا هِي ، وإن كان رأي الجمهور أقوى ، لكن أقول للوالد : إن كنت مُحْتَاجًا إلَى هَذَا الحُلي فهو حَلَالٌ لك ، وإن كنت غير محتاج فأولى أن تُكْرِم به بنتك يعطيك الله على ذلك ثوابًا عظيمًا ، اللهم إلا إِذَا كَانَتْ هناك ظروف يقدرها الوالد لمصلحة البنت ، والأعمال بالنيات.